• توفي عبدالستار إيدهي .. توفي المحسن الأشهر في باكستان عن عمر ناهز التسعين عاماً .. لكن الأرض التي وارت جثمانه الجمعة الماضية ، ونكّست أعلامها حزناً على رحيله ، رفضت إعلان موته، وقررت تخليد اسم المناضل الذي قضى 60 عاماً في خدمة فقرائها ، مؤسساً لواحدة من أكبر مؤسسات صناعة الخير في العالم، والتي تدير مستشفيات ومدارس ومكتبات ومعاهد ودوراً للأيتام والعجزة والمشردين والمعاقين ومشافي لمدمني المخدرات.. فضلاً عن أكبر أسطول إسعاف في العالم يتكون من 1500 سيارة و 3 طائرات تعدت خدماتها حدود الباكستان ؛ حيث وصلت لبنان وفلسطين ومصر . • الإحسان شجرة يغرسها الله في النفوس .. لكنها أحياناً تحتاج لسبب لكي تظهر وتنمو وتزدهر ، والسبب في حالة الشيخ عبدالستار يعود لإصابة أمه بالشلل ، هذه المعاناة المبكرة دمجته بالفقراء ، فأطلق أول سيارة إسعاف في أحد أزقة كراتشي الضيقة في العام 1951، معلناً بداية مسيرة استمرت ثمانين عاماً متواصلة ، لم يأخذ فيها إجازة ولو ليوم واحد ! . • يقول إيدهي الذي رشح لجائزة نوبل أكثر من مرة إن البساطة والإخلاص والانضباط هي أسرار نجاح العمل الخيري. ويضيف «كلنا ملزمون برعاية المحتاجين، هذا هو معنى الإنسانية، ولو أن عدداً أكبر من الناس فكروا بهذه الطريقة، لحُلَّت الكثير من المشاكل». ورغم أنه لا يملك سوى ثوبين يتناوب لبسهما ، إلا أن ( إيدهي) الرجل الأمّي يعد الشخصية الأكثر احتراماً في عموم باكستان ، وله مكانة لم يبلغها حتى السياسيون . • عندما يسود اعتقاد جمعي أن العطاء فعل خاص بالأثرياء فإننا بلا شك أمام إشكالية ومعوق حقيقي لانتشار العمل الخيري .. وعندما نحصر العطاء في بناء المساجد والمساكن ونتجاهل ميادين الصحة والتربية وبناء الإنسان فنحن أمام إشكالية أكبر لابد من تجاوزها .. فالعطاء قيمة إنسانية يجب أن تتحرر من كل العقائد والأيديولوجيات، والأهم ألا يكون لها حد أدنى . • مالك المؤسسة الذي تدير أعمالاً بملايين الدولارات ظل حتى وفاته يعيش مع زوجته في غرفتين متواضعتين ملحقة بإدارة مؤسسته. وعندما أصيب بالفشل الكلوي في 2013 رفض عرضاً من الرئيس الباكستاني بالعلاج خارج البلاد، مفضلاً انهاء حياته وسط الـ20 ألف يتيم ؛ و الـ 60 ألف لقيط الذين أنقذهم من الوأد . • المحسنون وأهل العطاء لا يموتون ، ولا تأكل الأرض ذكرهم .. لأنهم هم عُمّارها الحقيقيون .. ولأن الله قبل ذلك يحب المحسنين m.albiladi@gmail.com
مشاركة :