فاجأنا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بقصيدة أخرى من قصائده الجادة وكل قصائده جادة، وهو عندما يفكر وتجود قريحته لا فرق عنده بين الصيف والشتاء، ولا بين السفر والحضر، فهو أينما حل أو ارتحل هموم أمّته معه، كيف لا وقد عرفناه أنه لا يعيش لنفسه بل لأمته. نعم سموه يجد متعته في العمل الدائب، وكلما ازدادت وطأة العمل ازداد الشيخ محمد قوة وصلابة. إن قصيدة فتنة الإرهاب لشاعر الأمتين العربية والإسلامية الشيخ محمد بن راشد، تحمل في ثناياها لوناً جديداً وفكراً جديداً، فالقصيدة برغم سلاسة كلماتها وعذوبة ألفاظها تخبئ في داخلها حزماً وعزماً وقناعات أكيدة بأن الإساءة يجب أن ترد بالحزم وإلا تمادى المجرم في إجرامه. إننا عرفنا الشاعر الشيخ محمد بن راشد بتفاؤله الدائم وبرسم الأمل على وجه الصخر الكئيب، لكنه اليوم بلغت به القناعة بأنه بلغ السيل الزبى حول أولئك الذين تستروا وراء الدين، ليبيحوا لأنفسهم فعل كل شيء إلا اتباع الحق، فانظروا كيف استهل قصيدته ببيت يكاد هو القصيدة كلها: ليس للإرهاب دين أو كتابْ هو فيما بان لي شرعـــةُ غـــــابْ يكفي هذا البيت للحكم على أمثال هؤلاء الذين يسعون في الأرض فساداً، وأردف سموه قائلاً: وله أتباع في تفكيــــــرهم كل شـيء ممكــــن إلا الصـــوابْ هم مع الشيطان في أفعالهم بل من الشيطان أنكى في الخطابْ ومثل هذه الصورة البلاغية تسمى في علم المعاني بالإيضاح بعد الإبهام. إذاً فإن سموه حكم على الإرهابيين بشكل قاطع بأنه لا دينَ لهم وشرعة الغاب تحكمهم، ولم يصل الشاعر إلى هذه القناعات إلا بعد أن عاين وشاهد وعايش أفكارهم الهدامة، وأفعالهم النكراء خلال سنوات طويلة، وهل هناك أكثر جرماً من قتل الأبرياء، وتفجير دور العبادة، بل والاعتداء على الحرم الذي حرّم الله فيه القتل والاعتداء وجعله حرماً آمناً. ولكي يُطمئننا الشاعر أكثر بأن هؤلاء الإرهابيين مجرمون وصفهم ومن مشى على نهجهم بأنهم الأخسرون أعمالاً فقال: من مضى في نهجهم أو فعلهم خاسرٌ ما حظّه إلا الـــسَرابْ خبّروني ما الذي يجنونه من جنون منه رأس الطفل شابْ؟ أيّ فكر هو هذا فكرهم غير قتل النفس من غير احتساب حاولوا تفجير صرح شامخ قد بناه المهتدي الهادي المُجاب مسجدٌ أسّس بالتقوى ومن نوره النور غشا الكون وطاب وبهذا أشار الشاعر إلى المحاولة الأخيرة لهم التي ذهب ضحيتها جنود كانوا يجلسون على مائدة الإفطار أمام باب المسجد النبوي آمنين مطمئنين. ثم انتقل سموه إلى مقطع جديد في القصيدة واستهله بقوله: يا رسول الله عـــُــــــــــــــــذراً إننا في زمان فيه أمرُ الرشد غاب والـيا هنا ياء الاعتذار، لذلك فإن سموه نيابة عن الحكومة والشعب والأمة الإسلامية جمعاء يعتذر للرسول صلى الله عليه وسلم عما ارتكبه المجرم أمام مسجده عليه الصلاة والسلام وهو نبي الرحمة والإنسانية والسلام واجب الاحترام، فعل المجرم ذلك في شهر رمضان وأمام المسجد النبوي، وما أدراك ما المسجد النبوي. لقد كان الإمام مالك رحمه الله لا يجلس للدرس في المسجد النبوي إلا بعد أن يغتسل ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه، لأنه كان يتخيل أنه _ وهو يحدّث _ يجلس في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويروى عنه أنه ما ركب الدابة في المدينة المنورة، لأنه كان يقول: أرض وَطِئها الرسول بقدميه الشريفتين لا يصح أن تطأها الدابة، بل يجب أن نسعى إلى مسجده على أقدامنا إن لم نأته حَبوا. و رحم الله الأعرابي الذي ما وصل إلى المسجد النبوي ورأى الحجرة الشريفة إلا وقال مرتجلاً: يا خير من دُفنت بالقاع أعظُمه فطاب من طيبهن القاعُ والأكَم نفسي فداءٌ لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم أنت الشفيع الذي ترجى شفاعتُه على الصراط إذا ما زلّت القدم وصاحباك فلا أنســــــــــــــــاهما أبداً مني السلام عليكم ما جرى القلم سبحانك يا رب بدويٌّ أمّيٌ من خلقك يأتي من قلب الصحراء يحمل هذا الشوق وهذا الحب العظيم، ويفقه الدين بهذا الفقه العميق، فيحترم الأرض ومن يسكنها بهذا الإجلال اللامتناهي، ويأتي اليوم في المقابل من يدعي العلم والمعرفة بحقوق الإنسان ليرتكب جرائم قتل الأبرياء وترويع الآمنين. إذن اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء والمجرمون منا، وأنت تعلم أن كل الآباء والأمهات بُرءاء من أمثال هذه الزمرة المجنونة والملعونة المتعطشة لدماء الأبرياء، وإلى ذلك أشار بقوله: خطف الإسلامَ منا زُمرة فتحت للشر والفتنة باب زمرة مجنونةٌ ملعونة كلَما تأتيه هدم وخراب يقتل الواحد منهم أهله لا يرُاعي أيّ قربى وانتساب نلاحظ أن الشيخ محمد بن راشد لم يحدد فئة بعينها، لأن المجتمع الإسلامي المبتلى اليوم يعاني من فئات عدة وبمسميات كثيرة ضلّت طريقها، فهذه الفئات يفترقون تارة ويجتمعون تارة أخرى، لكنهم كلهم ينتهجون النهج القمعي والتدميري والإجرامي العنيف. فمرة يعتدون على النساء والأعراض، ومرة يقتلون المسنّين والأطفال، ومرة يهدمون دور العبادة ويحرقون الأشجار والممتلكات، مما يجعل الحليم حيران في أمرهم، وإلى ذلك يشير سموه فيقول: وصل الأمر بهم أن خرّبوا حَرما عن لمسه الشيطان خاب من ضلال ضمه منهجهم أن تعم الأرضَ حربٌ واضطراب ويعود الناس فوضى مالهم غير تكفير وسفك واحتراب وفي المقطع الثالث والأخير يتوجه الشاعر إلى الأمة الإسلامية بأسرها قائلاً: يا بني الإسلام هل من وقفة تحسمُ الشر وتجتث الخراب ؟ خاطب سموه الأمة جمعاء لأن دولة واحدة أو حاكماً واحداً بمفرده لا يستطيع أن يعالج مشاكل الأمة بأسرها فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، ولم يخاطب الجميع إلا بعد أن علم علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، أن الآن دقت ساعة الجد والحزم، ومن أمن العقوبة أساء الأدب، لذلك فلابد من اتخاذ قرار موحد يوحد الصفوف والقوى، وأهل البغي لا يستحقون الرحمة. وختم صاحب السمو في الحقيقة قصيدته ختاماً حماسياً جميلاً وموفقاً ومليئاً بالإيمان بالله فقال: إنّ في القـــــــــــــــوة حلّاً كلما جاء أهل البغي يبغون الجواب فأعدوا ما استطعتم واصبروا ذاك وعد الله في أم الكتاب أجل.....جاءت نهاية القصيدة كمطلعها تحمل اليقين، ففي المطلع أكد الشاعر أن الإرهابيين على باطل وأنهم خاسرون، وجاءت النهاية لتؤكد أن النصر لأهل الحق قــــــادم، فالأمل الأمل والبشرى للمؤمنين الذين يقرنون القول بالعمل ولا يجلسون يطلبون من الله النصر وهم لم يستعدوا له والله تعالى يقول: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. وإنني في الختام ليس لي إلا أن أشكر صاحب السمو على قصيدته الحماسية الرائعة التي حملت الفكر النبيل،، والتوجيه الأبوي الحكيم الصالح لتعبئة شباب الأمة بالغيرة على دينهم وديارهم، بعيداً عن الغلو والتطرف والكراهية والعنصرية، وإنها حقاً تتناغم من حيث المفتتح والمختتم مع عاصفة الحزم وإعادة الأمل بقيادة بلدينا الإمارات والسعودية، فنسأل الله منه القبول وأن يجعل النصر حليفنا دائماً، وذلك وعد من الله في أم الكتاب.
مشاركة :