إعداد: محمد هاني عطوي تتردد الفنانة الفرنسية الجميلة إيزابيل أدجاني كثيراً، قبل الموافقة على إجراء أي مقابلة صحفية، ولكنها عندما تقبل تفصح عما بداخلها من دون قيد؛ فتتحدث عن كل شيء، فليس لديها محرمات، وهكذا كانت مقابلتها الأخيرة مع مجلة إيل. ويرى البعض أن أدجاني، الممثلة الأكثر فوزاً بالألقاب في السينما الفرنسية، لم تقدم الكثير منذ سنوات عدة، باستثناء عمل لم يحقق النجاح المطلوب عنوانه تحت تنانير الفتيات، وسمعة مضطربة، ما أدى إلى انتهاء أسطورة أدجاني إلى حد ما، في نظر العديدين. وعلى أية حال، فإن هذه الفنانة المعروفة بذكائها وعدم قبولها للحلول الوسط، وأيضاً وضوحها الصادم، لديها الكثير لتقوله، ومن القضايا والأفكار ما يشغل بالها، وهذا ما سنعرفه من خلال هذه المقابلة. } لماذا تتحفظين دائماً على قبول المقابلات الصحفية؟ - ببساطة لأنني لا أرغب أبداً في الحديث عن نفسي، وقد نشأت على ثقافة الحذر، فضلاً على أن المقابلات الصحفية بالنسبة إلي شيء غريب، كان يحتاج مني دائماً إلى مهارة بهلوانية، وفي السابق عندما كنت أصغر سناً كنت أوشك على البكاء بعد أي مقابلة صحفية، وأشعر بأنني عدوانية. ورغم ذلك أشعر بالسعادة؛ لأن كلماتي تمثل مع الزمن مذكراتي الخاصة التي لا أحفظها وربما لا تعجبني. } لكنك أجريت سابقاً مع مجلة إيل، على سبيل المثال، مقابلات وصفت بأنها مثيرة تتعلق بأزماتك النفسية وبمهنتك؟ - نعم كان ذلك من السهل سابقاً، خصوصاً أننا لم نكن قد دخلنا عصر الشبكات الاجتماعية، وكان يمكننا أن نكون أكثر عفوية ووضوحاً في أفكارنا وتعبيراتنا، ولم يكن هناك من يعيد صياغة كلامنا. لكن مع تغير الوضع فضلت البقاء بعيداً عن المقابلات الصحفية. } ولكنك تحدثت بنفسك علناً عن انفصالك عن جان ميشال جار في العام 2004؟ - أعتقد أنني أصلحت الأمر حينها، وإلا لكان أصابني المرض، فتشهير الشخص بنفسه ليس جيداً أبداً، رغم أنني التقيت نساء شكرنني على ذلك. ولكن أعتقد أنه كان لا بد، نظراً لاعتزازي وغروري بنفسي، من أن يصبح أمر انفصالي قضية اجتماعية (تضحك). } وما رأيك في نجوم السينما الذين يظهرون أنفسهم بشكلهم الطبيعي على الشبكات الاجتماعية؟ - أرى أنها شجاعة كبيرة منهم، ولكنها أيضاً نوع من اليأس؛ كأن أحدهم يقول: انظروا إلى أي مدى أنا قادر أن أصل، فأتجرد من الغرور الذي يجعلني أعاني، لأن الوجه الذي ترونه ليس لي. كان ابني الأصغر غابرييل كين، يريد أن يعلمني كيف يعمل تويتر، وإنستغرام، ولكنني قلت له إنه كلما كان انشغالي بهما أقل، كان ذلك أكثر راحة لي، فضلاً عن أنني لا أطيق الدخول في سباق المتابعين. } في إحدى المقابلات قلت إنك لا تريدين الظهور بمظهر الضحية؟ - في ذلك الوقت، وفي غيره أيضاً، شعرت بشعوري نفسه وأنا مع والديّ، كما لو أن من حولي يريدون إخضاعي وترويضي، ولذا كان علي بدء ثورة على جميع الأمور التي ظلت من دون حل. خصوصاً أن فكرة أن أعاني مرة أخرى، أو أن أعود إلى حالة الضحية، كانت أمراً غير محتمل بالمرة، ومن هنا أردت أن أظهر أنني الأقوى، حتى لو تجاوزت حدودي أو كنت عدوانية. } بخصوص العدوانية.. هل يمكن القول إنك أحياناً لا تملكين شيفرة التعامل مع الآخرين؟ - خرجت من وسط اجتماعي متواضع، وكانت شيفرات التعامل البرجوازية الأنيقة تنال اهتمامي، ولكني لم أكن أملكها، مع أنني كنت أجدها رومانسية جداً. وأعتقد أن عدوانيتي كانت مهمة أيضاً، إذ توخيت بعناية فرص الوصول إلى الشهرة والسلطة التي توفرت لي، واقتربت منها من دون أن ألمسها، لأنها بالنسبة إلي في الحقيقة مصدر إزعاج. } هناك انطباع أنك تحكمين على نفسك بشكل سيئ؟ - نعم، وأعتقد أنه لا أحد يجاريني في ذلك، فأنا قاسية جداً على نفسي، وهذا يؤدي إلى شعوري بالندم الشديد، وأعترف بأنني أكبر نادمة في العالم. } هل تبدو لك طفولتك بعيدة؟ - لا، ليست بعيدة؛ فكيف يمكنك أن تكون فناناً وأنت منفصل عن طفولتك؟ إلا أن هناك أشياء يمكن أن تعوقني إذا ربطتها بمحنة تتعلق بالطفولة. } كانت طفولتك صعبة، فكيف أمكنك تغيير ذلك؟ - نشأت في أسرة لم يكن أحد يفهمني فيها، وكنت أبحث عن شخص يفهمني، وكان التناقض سيقودني إلى الانتحار. وقد تغلبت على ذلك، باعتقادي أن على المرء أن يتسامى، بمعنى أنه يجب عليه إعادة توجيه الطاقة الغريزية فيه إلى بناء علاقات اجتماعية، فلو لم أكن ممثلة، لوددت أن أكون في خدمة الناس والعمل الإنساني. } والدك جزائري وأمك ألمانية.. فأين هي جذورك؟ - دائماً أتحدث عن الجذور الطائرة، التي سعيت طويلاً لترسيخها هنا أو في مكان آخر، من خلال علاقة حب، أو مكان، لكنني تراجعت لأنني لم أتمكن من الوصول إلى هدفي. وكثيراً ما كان يقال لي إن مهنتي هذه غير مستقرة، ويجب أن أكون حذرة، ولكن أموراً مثل ضمان الشيخوخة، أو التقاعد، لا أعرف ماذا تعني، وهذا لا يعود إلى الجانب فوضوي في شخصيتي، بل ربما إلى الجانب المتنقل مثل والديّ، اللذين كانا مهاجرين. } كنت دائماً تقدمية في أفكارك، فما هو رأيك في أزمة المهاجرين إلى أوروبا؟ - أرفض فكرة التوريث في مملكة فرنسية؛ لأن حقيقة الجذور هو أن تكون قادراً على العيش في أي مكان، وتكون قادراً على التأقلم والنمو، وليست هناك من له الأولوية على الآخر، وحق البعض في الحياة ليس أهم من حق الآخرين. } بالحديث عن حياتك الشخصية.. هل يمكن أن تعيشي ثانية قصة حب؟ - لا أعرف، ولا أعرف حتى ماذا أقول، يبدو كأنه سؤال يطرح على شخص آخر. أعتقد أنني إذا صادفت رجلاً عطوفاً يحب الفكاهة، وقادراً على فهم ممثلة بكل تناقضاتها ورغباتها، فسيكون أمراً رائعاً، ما من شأنه أن يسمح لي بالاعتقاد بأن حياتي كممثلة كانت ذات قيمة، على الرغم من أنني نسيت كيف أحمي نفسي. هناك خوف دائم بين الممثلات من الوحدة والزوال، لكن ذلك لم يهمني أبداً، فقد عشت ونشأت نبتة برية، مع قليل من الفرص المصطنعة والمبهرة، للوصول في بعض الأحيان إلى أماكن لا يمكن للبعض الوصول إليها (تضحك). } وكيف تسير الأمور الآن مع أبنائك؟ - الأكبر برنابا علاقته رائعة مع الأصغر سناً غابرييل كين، الذي يفهم الكثير عن عصر الإعلام الجديد، وكيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، أما برنابا فهو أكثر شبهاً بي، ولا يحب الاستعراض. نلتقي دائماً وأفعل كل ما في وسعي لإسعادهما، وأعتقد أن الأم التي تجد نفسها محاطة بولديها اللذين يشعران نحوها بالحب والحنان؛ هي أم سعيدة الحظ. جوائز وترشيحات تعد إيزابيل أدجاني الممثلة الأكثر فوزاً بالألقاب في السينما الفرنسية، بفوزها بخمس جوائز سيزار كأفضل ممثلة، واثنين من الترشيحات لجائزة الأوسكار، ورغم أن فيلمها الأخير كارول ماثيو لم يتم ترشيحه للمشاركة في مهرجان كان، إلا أن أدجاني سبق أن فازت بجائزة أفضل ممثلة في دورة العام 1981، عن فيلم حيازة (أو مسكونة) لأندريه زولاوسكي، وفيلم الرباعية لجيمس إيفوري. وعن ذكرياتها عن تلك الدورة من المهرجان، تقول: كنت في ذلك الوقت شديدة الجبن، وأتذكر أنني لم أكن أمتلك حينها ثوباً لحضور المهرجان، فأعارتني جارتي الممثلة فرانسين راسيت، زوجة دونالد ساذرلاند، ثوباً أبيض جميلاً. كنت أعيش في عالمي الخاص، وأشعر دائماً بشيء من الذعر من الظهور أمام الآخرين.
مشاركة :