تحصين المرأة ضد التطرف واجب ديني واجتماعي

  • 7/15/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

من أهم واجبات علماء ودعاة الإسلام اليوم - أكثر من أي وقت مضى - حماية عقول النساء من قوافل المتطرفين والمتشددين الذين تسللوا إلى عقول بعض نسائنا وخربوها بما غرسوا فيها من مفاهيم دينية خاطئة، وأفكار متشددة، وسلوكيات بعيدة كل البعد عن سماحة الإسلام ووسطيته وعدله. هذه الحصانة الدينية لعقول النساء من أوجب الواجبات اليوم - كما يؤكد د. شوقي علام مفتي مصر- خاصة في ظل تنامي تيارات التطرف والتكفير في كثير من أقطار العالم الإسلامي، حيث يشير إلى أن مرصد الفتاوى المتشددة بدار الإفتاء قد رصد استهداف الجماعات الضالة لعقول النساء وتجنيدهن بعد عمل غسل مخ لعقولهن للقيام بعمليات إجرامية ضد أبرياء، ولا يمكن أن تقوم المرأة بهذا النوع من الإجرام لو كانت مستقيمة الفكر تعرف تعاليم وأحكام دينها جيداً.. ويقول: للأسف تسرب التطرف إلى عقول بعض نسائنا، وأصبحن أداة في يد جماعات ضالة لا تعرف الإسلام على حقيقته، وترتكب كل صور الإجرام باسم الإسلام. يؤكد مفتي مصر أن المرأة التي تعيش في ظل سيطرة المتطرفين الفكرية والثقافية، تعيش حياة كئيبة كلها تحريم وتطرف وتشدد وتكفير وبؤس وشقاء وحرمان من الحقوق، ولذلك يجب على علماء ودعاة الإسلام إنقاذها من هذه الفوضى الفكرية والنجاة بها من حياة التطرف والتشدد الديني التي تنظر إليها على أنها قربى إلى الله عز وجل، وهي في واقع الحال تجلب لها ولمن زرع في عقلها هذا الفكر المتشدد غضب الله وعقابه. وإلى جانب حالة التضليل والانحراف الفكري اللذين يعششان في عقول بعض النساء بفعل غسل المخ الذي يتعرضن له.. تعيش المرأة - أماً كانت أم ابنة أم زوجة - في بيوت المتطرفين ظروفاً معيشية وحياتية صعبة، فهي محرومة من كثير من حقوقها الشرعية باسم الإسلام، فالمتطرفون يحرمون من عند أنفسهم، ولا علاقة لهم بسماحة الإسلام واعتداله، وهم لا يدرون أن الإسلام يدفع المسلم - رجلاً كان أو امرأة - إلى أن يعيش الحياة بحلوها ومرها، ويستمتع بالطيبات. ولأن بيوت المتشددين كلها بؤس وشقاء وكآبة، فإن النساء اللاتي يعشن فيها يحتجن إلى مساعدة حقيقية من العلماء والدعاة الذين ينبغي أن يبذلوا كل جهدهم لكي يصلوا بالفكر الإسلامي الصحيح إلى عقول هؤلاء النسوة، وأيضاً إلى عقول من يضلونهن ويغسلون عقولهن بالفكر المتطرف. ورغم أن حماية المرأة من ضلال المتشددين واجب المجتمع كله من خلال التربية الدينية الصحيحة في البيوت والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام والثقافة، إلا أن د. علام يضع المسؤولية الأكبر في أعناق علماء ودعاة الأمة، ويقول: نحن في دار الإفتاء نقوم بواجبنا الدعوي والتوجيهي والتحذيري، ونرصد فتاوى وأفكار المتطرفين ونفندها من خلال فتاوى دقيقة وموضوعية تستهدف تحذير الجميع من هؤلاء، وخاصة المرأة التي تقع للأسف فريسة سهلة لأفكارهم المتشددة. وسائل الإنقاذ والسؤال المهم هنا: كيف نحمي عقل المرأة وضميرها الديني من براثن المتطرفين؟ يقول د. عبد الله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث بالأزهر: علينا أولاً أن نصل بالفكر الإسلامي الصحيح إلى عقول النساء في كل مكان، وهنا لا ينبغي أن نعتمد على ما يقوم به العلماء والدعاة في المساجد وساحات العلم الديني، بل يجب الوصول بفكر الوسطية والاعتدال إلى عقل المرأة من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، ولابد أن نقدم للمرأة ما يقنعها بأن الإسلام دين وسطية واعتدال، وأنه لا يحمل سلاح التحريم، وأن مساحة المحرمات في الشريعة الإسلامية أقل كثيراً من مساحة المباحات، ولذلك لا يجوز لأحد أن يحرم أمراً أباحته الشريعة الإسلامية، أو يتصدى لأمور الفتوى من دون علم واستعداد لذلك حتى نصرف المرأة عن محترفي الفتاوى الضالة.. وما أكثرهم في بلادنا العربية والإسلامية، فهؤلاء يحرمون من عند أنفسهم، ولا علاقة لهم بما يقوله العلماء الثقات هنا أو هناك. ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر أن التطرف بلا عقل وبلا ضمير. والمتطرفون لا يفهمون من شريعة الإسلام الصحيحة شيئاً، لذلك من السهل كشفهم للناس، وإنقاذ المرأة من ضلالهم لو استطعنا أن نتعامل معها باللغة والأسلوب المؤثرين فيها. تدين كاذب ويضيف: المتطرفون يحرمون نساءهم من مباحات كثيرة ومتنوعة، ويحملون سلاح التحريم في كل مكان يذهبون إليه، ومن المعلوم شرعاً أنه لا يجوز لمسلم مهما بلغت درجة تدينه أن يحرّم أمراً أباحه الله ورسوله، أو يحرم نفسه أو أهله من أمور مباحة أو مستحبة، ولذلك ينبغي أن يحرص دعاة الإسلام على كشف ضلال المتطرفين من خلال ردود مقنعة على فتاويهم المنحرفة. ولأن تدين المتطرفين تدين كاذب وشكلي فيرى عالم الشريعة الإسلامية سهولة كشفه وبيان أنه مشوه ولا علاقة له بالدين الإسلامي ونقائه وسماحته ويسره، ويقول: الذين يفرضون على زوجاتهم حياة جافة وكئيبة كما نرى في سلوكيات بعض المتدينين لا علاقة لهم بالإسلام من قريب أو بعيد، بل هم متطرفون ينبذهم الإسلام، ونحن نحذر منهم، لأنهم يشكلون خطراً بالغاً على المجتمع كله، وليس على أسرهم فقط. كما يؤكد د. النجار ضرورة كشف عنف المتطرفين مع نسائهم، ويعتبر ذلك من مظاهر الخلل الفكري والانحراف السلوكي الذي يعانون منه ويجب كشفه للناس، ويقول: علينا أن نوصل إلى عقل المرأة المسلمة أن الشريعة الإسلامية وفرت للعلاقة الزوجية كل صور الاحترام المتبادل بين الزوجين، وألزمت الزوج باحترام زوجته، وحمايتها من كل صور الإيذاء البدني والنفسي. ويتفق د. النجار مع مفتي مصر في أن المتطرفين يستهدفون عقول النساء وخاصة الفتيات المراهقات، ويقول: لقد كشفت التقارير أن فتيات كثيرات وقعن في براثن المتطرفين وتزوجن من شباب من هذا النوع، وتحولن من حياة التسامح والرحمة والتدين النقي إلى حياة التشدد والتطرف، وأصبح من الصعب إقناعهن بأن الإسلام دين لا يعادي الحياة، ولا يحرم المسلم - رجلاً كان أو امرأة - من الاستمتاع بكل ما في الكون من مظاهر الجمال والبهجة، فهن بسبب ما حشي في عقولهن من فكر متشدد، لا يرين في أحكام الشريعة الإسلامية إلا الحرام، ويرفضن أن يعشن الحياة بحلوها ومرها، ولا يدركن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال ولا يدركن أيضاً أن القرآن الكريم في العديد من آياته يحث المسلم على أن يعيش حياته سعيداً يستمتع بكل الطيبات ما دام يؤدي واجباته الدينية. دعاة العزلة المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبو المجد يؤكد أن المرأة المسلمة مستهدفة من تيار التشدد الديني، ومن الذين سيطرت عليهم التقاليد البالية، وأن هذا التيار لا ينحصر في جماعات العنف التي تستهدف المرأة وتوظفها لتحقيق أهدافها الخبيثة فحسب، بل هو موجود ومنتشر في عالمنا العربي، ويسيطر على قناعات كثير من العرب الذين يتعاملون مع المرأة على أنها عورة سواء في بدنها أو صوتها، وهذا كله خلافاً لما يقرره الإسلام في تشريعاته المتعلقة بشؤون النساء. ويضيف: هناك نظرة مريضة تهمش دور المرأة في حياة المسلمين، وأصحاب هذه النظرة يستشهدون بحديث ينسبونه للنبي- صلى الله عليه وسلم- مؤداه أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لابنته فاطمة -رضي الله عنها-: أي شيء أصلح للمرأة؟ قالت: ألا ترى رجلاً ولا يراها رجل، فقبلها ثم قال: ذرية بعضها من بعض وهو حديث بالغ الضعف لم يصححه أحد من المحدثين. ودعاة هذه الرؤية الضيقة للمرأة يروون كذلك حديثاً لا أصل له يقول: شاوروهن وخالفوهن ولا ندري كيف وصل الابتعاد عن جوهر المبادئ الإسلامية إلى الدرجة التي تجعل كثيراً من أبناء الريف والبادية وبعضاً من أهل المدن والحواضر في البلاد الإسلامية يتحرجون من التلفظ بأسماء نسائهم، من الزوجات والبنات والأمهات، بينما نجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر أسماء زوجاته وقريباته بلا تردد ولا تحرج. ويفند د. أبو المجد بعض مزاعم دعاة عزلة المرأة، وما يتمسحون به من أدلة واهية فيقول: الحديث الذي يصف فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- المرأة بأنها عورة، أخرجه الناقلون عن سياقه واستخرجوا منه ما يجاوز حده ومدلوله، إذ المراد به أن بدن المرأة عورة ينبغي ستره تماماً كما أن جزءاً من بدن الرجل هو كذلك عورة، أما أن تحاط المرأة بكيانها كله وشخصها كله بهالة من الحرج تعزلها وتحاصر وجودها ونقسم المجتمع كله لقسمين منعزلين متباعدين، فذلك لا يمكن علمياً أن يستخرج من هذا الحديث أو من غيره كما أنه يفرض على المسلمين عسراً، وكلها أمور بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليضعها عن الناس، كما صرح القرآن بأن من مقاصد الشريعة الكبرى إعفاء الناس من الحرج، حيث قال سبحانه: ما جعل عليكم في الدين من حرج وقال: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. تغييب إنسانية المرأة ويحذر المفكر الكبير من ترك هذه المفاهيم الدينية الخاطئة تتردد في أوساط المسلمين وخاصة النساء.. ويقول: لا بد من فضح هؤلاء لأن تصوير المرأة كلها، ببدنها وشخصها على أنها عورة من شأنه أن يغيب إنسانية المرأة وراء أنوثتها، وأن يثبت في عقل الرجل ووجدانه ومشاعره أن المرأة مجرد موضوع لإشباع الغريزة فلا يرى فيها إلا هذا ولا يستطيع أن يغيب عنه أمر هذا الإشباع، مما يفتح أبواباً لا آخر لها للفساد الاجتماعي، وما نظن الخالق سبحانه أراد بعباده هذا اللون الغريب من الحرج. ويتناول د. أبو المجد بعض الأمور التي تتصل بالمرأة، والتي أثارها بعض أولئك الذين غابت عنهم مقاصد الشريعة، حيث يؤكد أن (وجه المرأة ليس بعورة) قولاً واحداً، بدلالة النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، وكثير جدا منها رواه البخاري ومسلم وبدلالة فعل الصحابة والصحابيات وبما يشبه الإجماع بين الفقهاء المجتهدين، فالحق -سبحانه وتعالى- يقول: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.. ولو كانت الوجوه مغطاة والنقاب عاماً سائداً، فعن أي شيء يغض المؤمنون من أبصارهم؟ ويضيف: لو كان الإسلام يأمر بستر وجه المرأة لما كانت به حاجة إلى الإلحاح على الرجال بالغض من أبصارهم، ولا ندري كيف يغفل القائلون بستر الوجه عن هذه الحقيقة الواضحة، أم أن التعبد بدين الله لا يكون إلا بتعطيل العقول والأفهام؟ وينتهي د. أبو المجد إلى أن المبالغة في حجب النساء وعزلهن عن المجتمع إنما يتم استناداً لمفاهيم دينية خاطئة، ويصف هذه العزلة المصطنعة بأنها حالة غير إنسانية وغير إسلامية وغير سوية تظل معها علاقة الرجال بالنساء بؤرة قلق وتوتر وتوجس وانشغال دائم ويتساءل: كيف لمجتمع يسوده مثل هذا التوتر أن ينطلق إلى العمل النافع أو يحقق لأبنائه وبناته التقدم المنشود؟!

مشاركة :