لا شك ولا ريب أن الصحابي الجليل معاوية بن ابي سفيان -رضي الله عنه وعن ابيه- من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين خدموا الدين، وجعل الله لهم الفضل المبين، ووالده -عليهما رضوان الله- وهو من أكابر الصحابة نسبا وقرباً من النبي – صلى الله عليه وسلم ، وعلماً وحلماً ، فاجتمع لمعاوية شرف الصحبة وشرف النسب ، وشرف مصاهرته للنبي – صلى الله عليه وسلم – وشرف العلم والحلم والإمارة ، ثم الخلافة ، وبواحدة من هذه تتأكد المحبة لأجلها فكيف إذا اجتمعت ؟ وهذا كافٍ لمن في قلبه أدنى إصغاء للحق ، وإذعانٍ للصدق . وللأسف أن يلهث الكثير ممن استهوتهم الشياطين بالطعن في معاوية رضي الله عنه وعن أبيه، وإن لم يطعن قلل من شأنه بأن يسمه بأنه من مسلمة الفتح وأنه من الطلقاء إلى غيرها من الأمور .. حتى وصل الأمر بالبعض منهم إلى أن يتوقف في شأنه و يعرضه على ميزان الجرح والتعديل .. ناسياً أو متناسياً أنه من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن الأمة قد أجمعت على تعديلهم دون استثناء من لابس الفتن منهم و من قعد .. و لم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة .. ومن فضل معاوية -رضي الله عنه- أن في عهده فتحت قبرص وقاتل المسلمون أهل القسطنطينية ولم يجتمع المسلمون للجهاد في سبيل الله لنشر الدين وتوسيع رقعة البلاد الإسلامية إلا في عهده -رضي الله عنه وعن أبيه- وهى بشرى بشر الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا قالت أم حرام قلت يا رسول الله أنا فيهم قال أنت فيهم ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله قال لا . وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء ٣/١٥: قال سعيد بن عبد العزيز : لما قتل عثمان ووقع الاختلاف لم يكن للناس غزو حتى اجتمعوا على معاوية ، فأغزاهم مرات ، ثم أغزى ابنه في جماعة من الصحابة براً وبحراً حتى أجاز بهم الخليج ، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها ، ثم قفل . روى البخاري في التاريخ الكبير أن النبي صلى الله عليه وسلم- دعاء لمعاوية رضي الله عنه فقال: اللهم اجعله هاديا مهديا واهد به. وببركة هذه الدعوة الطيبة المباركة كان معاوية من فقهاء الصحابة الكرام. ففي صحيح البخاري : قيل لابن عباس : هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة ، قال إنه فقيه . قال ابن حجر في الفتح : هذه شهادة من حبر الأمة بفضله . روى الخلال في السنة بسند صحيح عن ابن عمر -رضي الله عنه وعن ابيه- انه قال ما رأيت بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أسود من معاوية ، قيل : ولا عمر ؟ قال : كان عمر خيراً منه ، وكان هو أسود من عمر .. وذكر القاضي عياض – رحمه الله – : أن رجلا قال : للمعافى بن عمران ، عمر بن عبد العزيز أفضل من معاوية ، فغضب وقال : لا يقاس أحد بأصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم ، معاوية صاحبه وصهره وكاتبه وأمينه على وحي الله عز وجل . سبب انتقاص بعض من وقع في معاوية -رضي الله عنه وعن ابيه وجميع الصحابة- أمور أولها : الهوى والسير على خطوات الشيطان. ٢- أنهم يستقون من موروثين هما: مرجع لدى الصحوين والصفوين . فكتب ورسائل المودودي وسيد قطب -كفانا الله فيهم- كانت مرجع الصحوين في الانتقاص من بعض الصحابة عموماً ومعاوية وأبيه ابا سفيان خصوصاً، -رضي الله عنهم أجمعين. وكذا فإن كثير من مراجع الصفوين وتراثهم مليئ بالزور والبهتان التي تصيب شخص الصحابي الجليل معاوية وشخص ابيه -رضي الله عنهما-. وهذا مما عمت بِه البلوى. ٣- أن حلم الإخوان المسلمين في إعادة الخلافة الإسلامية جعلهم يثأرون من كل ملك بلا حق ولا حجة، ومعلوم أن الخلافة الراشدة انتهت بتنازل الامام الحسن ابن علي -رضي الله عنهما- لأمير المؤمنين معاوية ابن ابي سفيان -رضي الله عنه وعن أبيه-. كذلك إتهام معاوية -رضي الله عنه- بأنه أول من وضع توريث الحكم في الدولة الإسلامية وذلك بأن عهد إلى إبنه يزيد بالأمر من بعده والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس ، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية ، إذ بنو أمية يومئذ لا يرضون سواهم ، وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع ، وأهل الغلب منهم ، فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها، وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع ، وإن كان لا يظن بمعاوية غير هذا ، فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك . وحضور أكابر الصحابة لذلك ، وسكوتهم عنه : دليل على انتفاء الريب فيه ، فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة ، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق ، فإنهم كلهم أجل من ذلك ، وعدالتهم مانعة منه . كما قال ابن خلدون في مقدمته (ص ١٠٩) رحمه الله . إذن فحال الأمة الإسلامية في ذلك الوقت كان يستدعي أن يعهد بالخلافة لشخص محدد حتى لا تتمزق الأمة وتتفرق وتحصل الفتنة بين المسلمين والحديث يطول في حق معاوية -رضي الله عنه وعن ابيه- والمقام لا يحتمل. والعجيب أن يأتِ من عرف بالسرقة ليتهم معاوية وأبيه زوراً وكذباً بالسرقة وهما البريئن النزيهين الشريفين، او ان يقول عنه ساقط بانه قليل فضل وغيره خير ملئ الأرض منه، وماعلم هذا الجاهل أن الصحابة كلهم عدول وافاضل، ولا يعلم فضلهم بعضهم دون الخلفاء الأربعة والعشرة المبشرين بالجنة على بعض إلا الله. وكذا قول ثالث بلغ من الحمق والسفاهة عتيا ان معاوية شخص لم يكن ذَا الاسلام الحقيقي او في إسلامه شك بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- دون حجة او دليل ويزيد الطين بلة ان يسمى مفكراً او اديباً .. روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم قال : لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه . قال القحطاني في نونيته: حب الصحابة والقرابة سنة *** ألقى بها ربي إذا أحياني فكأنما آل النبي وصحبه *** روح يضم جميعها جسدان ______ عبدالعزيز الموسى عضو الإدارة العامة للتوجية والإرشاد بالمسجد الحرام في مكة المكرمة -سابقاً
مشاركة :