إذا كان لبنان يمرّ بفترات حرجة فُرضت عليه فرْضاً وتركتْه يلملم جراحه بنفسه، فهذا لا يعني أنَّه خلا من المعارض التي تسلّط الضوء على أبرز ما يقدّمه من قيم مضافة. ورغم أنَّ غالبية قطاعاته تمرّ بفترات عصيبة أثّرت عليها سلباً، فهذا لا يعني أنَّ البريق الذي يتمتّع به بعضها قد تبخّر، وخصوصاً أنَّ هذا البلد الصغير يتمتّع بقطاع عقاري صلب شكّل خلال الأيام الماضية مادّة شغلت المهتمّين بالتملّك في لبنان. وفي هذا الخصوص، شهدت العاصمة بيروت يوم الإثنين الماضي افتتاح معرض «دريم 2016» للتطوير العقاري بنسخته السادسة، وذلك بحضور عدد كبير من الفعاليات والاقتصادية والسياسية وبرعاية محافظ بيروت القاضي زياد شبيب، في مركز المعارض الدولي في مجمّع الـ «بيال». وشكّل هذا المعرض الذي اختتم أعماله أمس، والذي امتدّ على مساحة 8000 متر مربّع، وضمّ أكثر من 150 مشروعاً تنتشر على مليوني متر مربع، ونحو 80 عارضاً، أهمّ مساحة لتواصل الأفراد مع الشركات التي تعمل في مجال التطوير العقاري في لبنان، ومع المصارف والمؤسسات المالية اللبنانية التي من شأنها تقديم التسهيلات للمواطنين والشركات على حدٍّ سواء. وقد بيّن هذا الحدث أنَّ هذا القطاع لا يزال يحافظ على سلامته، رغم التباطؤ الذي طاله، إذ لاقى المعرض إقبالاً واسعاً من جانب اللبنانيين المقيمين والمغتربين على السواء، بما دفع المنظمين إلى تمديده يوماً واحداً، فأنهى أعماله الجمعة بدل الخميس. وفي إطار التعليق على نتائجه، أكّد رئيس شركة «بروموفير» المنظّمة لهذا الحَدث، نبيل باز لـ «الراي» أنَّ «الحركة التي عرفها المعرض كانت أفضل من المتوقع، ولم نكن ننتظر هذا الدفق من المهتمين في ظل الأوضاع الراهنة، إذ زاره نحو 2500 شخص يومياً»، مضيفاً أنَّ «هذا الحدَث أعطى شيئاً من الأمل والرضا للمطورين العقاريين وضخّ الفرح في نفوس المواطنين». وفي أروقة المعرض الذي واكبته «الراي»، شبه إجماع بين المطورين العقاريين على أنَّ العقارات تمر بفترة من الجمود الناتج من أسباب عدّة، لكن ذلك لا يعني أنَّه سينهار وأن الأسعار ستتراجع، رغم أنَّ الإقبال الخليجي على الشراء تراجع، وعرف أيضاً موجة بيع طفيفة. وفي هذا السياق، وصف رئيس مجلس إدارة شركة «بعبدات» للتطوير العقاري، بيار شهوان الإقبال الخليجي على القطاع بأنه «غائب»، خصوصاً أنَّ «العرب فقدوا الاهتمام بالاستثمار في القطاع العقاري اللبناني لأسباب عدّة، منها الأوضاع الإقليمية والأحوال السياسية المحلّية التي بيّنت أنَّ المسؤولين اللبنانيين ينظرون إلى الاقتصاد من بوابة ضيّقة، في حين أنَّ لبنان بحاجة إلى هذه الاستثمارات التي لطالما أثّرت إيجاباً على اقتصاده». وعن وضع القطاع الحالي، يقول شهوان إنَّ «السوق تضمّ عدداً من المنتجات غير المطلوبة، لكنَّ شركتنا حريصة على تطوير المشاريع التي تتلاءم وأذواق مختلف المهتمين، اللبنانيين المغتربين أو حتى المقيمين». رأي شهوان غير بعيد كثيراً عما ورد على لسان مديرة التسويق في شركة «سارك» العقارية لارا دبس، إذ تعتبر أنَّ «القطاع العقاري بخير، لكنه واجه مشكلة لجهة عرقلة عمليات البيع بفعل العمليات المصرفية التي تستغرق وقتاً قبل حصول الشارين على قروض»، مضيفة أنَّ 99 في المئة من المبيعات التي حققتها الشركة «والتي تقوم على أسعار مدروسة جداً»، كانت من جانب اللبنانيين. وهذه النظرة المتعلّقة بالإقبال العربي مختلفة بالنسبة إلى مدير التسويق في شركة «Platinum Holding» باتريك عصفور الذي يشرح أنَّ هذه الشركة «أطلقت مشروعاً جديداً جذب عدداً كبيراً من اللبنانيين الطامحين إلى التملّك في بلادهم، هذا إلى جانب عدد لا بأس به من العرب، وتحديداً القاطنين في دبي والإمارات، الذين بيّنوا اهتماماً في مشاريع أخرى». أما المهندس في شركة «أشادا» العقارية سامي نعمة، فشدّد على أنَّ «القطاع العقاري اللبناني يواجه ضغوطاً أدّت إلى تراجع عمليات البيع وذلك بسبب تراجع الإقبال الخليجي عليه، إلى جانب الوضع الأمني في لبنان، الوضع الاقتصادي للمواطنين الذين يفضلون بغالبيتهم التريّث قبل القيام بأي استثمار». ولكن هل هذا يعني أنَّ المبيعات توقفت؟ يجيب نعمة «هذا الوضع لا يشمل الذين هم بحاجة إلى السكن، وتحديداً الشباب الذين يحصلون على قروض من المصارف، والذين يملكون 20 في المئة من قيمة الشقة»، متوقعاً أن «يعاود القطاع الصعود، لأنَّه عوّدنا أصلاً على المرور بفترات من الجمود قبل عودة الحيوية إليه». وبالعودة إلى واقع القطاع العقاري اللبناني، فقد شهد تباطؤاً في الأداء خلال الشهر الخامس من السنة الحالية، وذلك بعد تسجيله نتائج متفاوتة في ابريل الماضي. وقد بيّنت إحصاءات المديريّة العامة للشؤون العقاريّة في لبنان انكماشاً في عدد المعاملات العقاريّة بنسبة 14.04 في المئة خلال شهر مايو 2016 إلى 4666 معاملة، مقابل 5428 معاملة في شهر ابريل الماضي. كذلك انخفضت قيمة المعاملات العقاريّة بنسبة 10.54 في المئة على أساس شهري إلى نحو 613.43 مليون دولار، مقارنة بـ 685.66 مليون دولار في أبريل 2016. في المقابل، ارتفع متوسّط قيمة المعاملة العقاريّة الواحدة بنسبة 4.08 في المئة في خلال شهر مايو إلى نحو 131468 دولاراً من 126320 دولاراً في شهر أبريل الماضي، وقد نتج هذا التراجع عن تدهور قيمة المبيعات العقاريّة في منطقة بيروت بنسبة 14.98 في المئة، توازياً مع تقلّص قيمة هذه المبيعات في منطقة المتن بنسبة 1.31 في المئة، مع العلم أنَّ حصة الأجانب من عمليات المبيع العقارية وصلت الى 1.64 في المئة، مقارنة بـ 2.2 في المئة مع نهاية العام 2015.
مشاركة :