محمد نور الدين يعود الحديث عن عملية سلام في الشرق الأوسط فيما يخص القضية الفلسطينية. الكلام بدأ أولاً من مبادرة فرنسية خجولة لتجديد عملية المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. ومن ثم ذهب وزير خارجية مصر سامح شكري إلى إسرائيل في زيارة هي الأولى لوزير خارجية مصري منذ سنوات إلى تل أبيب. ورغم أن معظم المراقبين يربطون زيارة شكري إلى الكيان بجولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إفريقيا، والتهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي المصري في إفريقيا، ولاسيما بعد بناء إثيوبيا لسد النهضة على نهر النيل، إلا أن القاهرة أعلنت أنها تتعلق بالرغبة في استئناف المفاوضات لحل القضية الفلسطينية. ليس هناك أي ظروف مستجدة تبرر حتى التفكير بمحاولة إيجاد حل للقضية الفلسطينية. فالمنطقة العربية غارقة حتى النخاع في حروبها الداخلية والأهلية، كما في حروبها الجانبية البعيدة عن القضية الفلسطينية. لكن يبدو أن نتنياهو يريد استكمال مشروعه في الضفة الغربية لجهة تعزيز الاستيطان وفرض الأمر الواقع الذي يوسع المجال الحيوي للدولة اليهودية، ويضيق المجال أمام قيام دولة فلسطينية مستقلة فعلياً. وإذا كان العدو رفض الإغراءات، وفي السياسات الدولية ليس من إغراءات، بل موازين قوى، في ظل تضامن عربي مقبول ولو في حده الأدنى، فإنه يجد نفسه اليوم في ذروة الظروف المناسبة لمواصلة مشروعه. لقد قيل الكثير عما سمي ب الربيع العربي، لكن ثابتة واحدة ظهرت بعد ست سنوات على هذا الجحيم الأسود، وهو أنه كان كارثة على الوحدة العربية وعلى الأمن القومي العربي. ليس من بلد عربي إلا وضربته الفتنة والحرب الأهلية. من سوريا والعراق إلى مصر وليبيا واليمن والبحرين وتونس والأردن، وإن أحياناً بنسب متفاوتة. لقد ضرب الربيع العربي النواة الصلبة للجيوش العربية كلها. الجيش السوري والجيش المصري والجيش الليبي والجيش العراقي، وكذلك اليمني إلى ما هنالك... لقد كان يقال إن الجيشين السوري والمصري ومن ورائهما الجيش العراقي يشكلون سداً لمواجهة التهديدات الصهيونية. لكن واقع الحال اليوم أن الغرب ومن ورائه إسرائيل أغرقوا العرب في الاحتلال وفي الفتن. وبدا ذلك منذ غزو العراق للكويت، وما جره من ويلات على العرب ومن ثم استكمل الانهيار بغزو العراق وانتهى ما يسمى بالجيش العراقي. ومن ثم جاء الدور على الجيش السوري فيما الجيش المصري يتعرض لنفس المخاطر في سيناء فضلاً عن أنه مقيد باتفاقية كامب دايفيد. انتهت التهديدات على إسرائيل وتقف اليوم في ذروة قوتها وغبطتها مما يجري من تمزيق لقدرات العرب العسكرية والاقتصادية والسياسية، وليس من أي أمل يشير إلى أن الحروب الأهلية العربية في طريقها للانتهاء، بل إن استمرارها واستمرار النزيف العربي لآخر نقطة دم وآخر حجر وآخر خرطوشة هو هدف إسرائيلي وغربي بامتياز. لذلك أن تأتي دول غربية مثل فرنسا، الباحثة عن دور ولو شكلي في الساحة الدولية، للقول إنها تريد استئناف عملية المفاوضات لإيجاد حل للقضية الفلسطينية هو كلام غير واقعي، ولا يؤدي إلى أي نتيجة، ويصب في أهداف أخرى لا تتصل بالقضية الفلسطينية التي ستنتظر طويلاً إذا كان يراد لها حلاً ولو في حده الأدنى. فلا إسرائيل تريد حلاً، ولا العرب المتفرقون في وضع يسمح لهم بفرض حل ولا الفلسطينيون يداً واحدة.
مشاركة :