استغلّ النظام السوري وحلفاؤه صرف الأنظار إلى الأحداث التي شهدتها تركيا، ليل أول من أمس، وبدأ قصفًا جويًا وصاروخيًا عنيفًا على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة شرق مدينة حلب، عاصمة شمال البلاد، ولم يوفرّ المراكز الصحيّة، ومنها مستشفى عمر بن عبد العزيز التي باتت خارج الخدمة بعد قصفها بالبراميل المتفجرة والصواريخ. ولقد أسفر القصف عن مقتل 19 مدنيًا بينهم خمسة أطفال في الأحياء الشرقية لحلب، وجاء بعد ساعات قليلة على إعلان واشنطن وموسكو اتفاقهما على «إجراءات ملموسة لإنقاذ الهدنة في سوريا ومحاربة الجماعات الجهادية». في حين توعّدت المعارضة بإطلاق «معركة حلب الكبرى» قريبًا، وفكّ الحصار عنها. «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد أمس أن «11 مدنيًا قتلوا بينهم أربعة أطفال في قصف جوي لقوات النظام، طال منطقة باب النصر في حلب القديمة بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، كما قتل سبعة آخرون صباحًا في حي الفردوس فضلاً عن طفلة في حي المعادي». كما تحدث ناشطون عن «قتل وإصابة بعض أفراد الكادر الطبي داخل مستشفى عمر بن عبد العزيز». وفي هذه الأثناء، قال مصدر عسكري في المعارضة السورية إن «الثوار في هجماتهم التي تستهدف مناطق سيطرة النظام في حلب يسعون لممارسة كل الضغط اللازم لفكّ الحصار عن مناطقهم». وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن مقاتلي المعارضة «نفذوا خلال الساعات الماضية عمليات تسلل وتمكنوا من ضرب مواقع للنظام في القصر البلدي وقلعة حلب بواسطة أسلحة كاتمة للصوت، وأوقعوا فيها عددا من القتلى والجرحى». ورفضًا للاستسلام للحصار المفروض على مناطق المعارضة، أعلن المصدر العسكري أن «الفصائل الثورية وعلى رأسها (جيش الفتح) تعدّ للبدء بمعركة حلب الكبرى، وهي لديها كثير من الخيارات. وهم يعدون بمفاجآت كبيرة، ربما يكون مصدرها ريف حلب الجنوبي بهدف كسر الحصار على حلب الشرقية، مذكّرًا أن حلب فيها «أكثر من 25 جبهة ويمكن للثوار أن ينجحوا باختراق عدد من هذه الجبهات ويكسرون الحصار قريبًا». من جهتها، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية «أ.ف.ب» تقريرًا أعلنت فيه، أن «الأحياء الشرقية لحلب تعرضت لقصف من الطيران المروحي والحربي الذي لم يفارق الأجواء». وذكر مراسل الوكالة في حلب أن «مستشفى عمر بن عبد العزيز في حي المعادي تعرضت للقصف الجوي، كما سقط برميل متفجر أمام مدخل المستشفى ما أجبر الإدارة على اتخاذ قرار بإخلائه، وفق ما قال مدير المستشفى حسين بن لؤي». وأضافت الوكالة أنّه «أثناء انتظار سيارات الإسعاف المقبلة من مستشفيات أخرى لإخلاء المرضى، استهدفت صواريخ عدة مبنى المستشفى، ما تسبب بأضرار مادية وإصابة مرضى وعاملين في كادرها الطبي»، موضحة أن «فصائل المعارضة، ردّت على القصف الجوي بإطلاق القذائف على الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام ومن بينها سيف الدولة والمشارقة». تأتي هذه التطورات الميدانية بعد ساعات على محادثات ماراثونية استمرت نحو 12 ساعة بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو، أعلنا على إثرها أنهما توصلا إلى اتفاق حول «إجراءات ملموسة لإنقاذ الهدنة ومحاربة الجماعات الجهادية في سوريا»، دون الكشف عن تفاصيلها. أما الناشط المعارض في حلب، عبد القادر علّاف، فأوضح أن «مستشفى عمر بن عبد العزيز بات خارج الخدمة تمامًا، بعد القصف الذي تعرضت له منتصف الليلة (ما قبل) الماضية»، مشيرًا إلى أنها «المرّة الرابعة التي تستهدف فيها قوات النظام هذا المستشفى بالطيران والصواريخ خلال السنتين الماضيتين». وأكد علاف لـ«الشرق الأوسط»، أن النظام «استغلّ الأحداث التي تشهدها تركيا، وصرف الاهتمام نحو محاولة الانقلاب الفاشلة، وبدأ تكثيف قصفه الجوي لمناطق المعارضة في حلب، مستهدفًا حي المعادي والمستشفى فيه، ومناطق الحراجلة والصالحين وطريق الباب»، مشيرًا إلى أن «هذا القصف يزيد من معاناة المدنيين المحاصرين، خصوصا أن مؤشرات فقدان المواد الغذائية بدأت بالظهور». وتابع: «بحسب معلوماتنا، فإن المواد الأساسية المخزنة، تكفي لمدة 20 يومًا أو شهر كحدّ أقصى»، لكنه لفت إلى أن المجلس المحلي للمدينة «يتخذ الاحتياطات التي تحدّ من أضرار هذا الحصار على الناس». جدير بالذكر أن قوات النظام وفصائل المعارضة تتقاسم منذ العام 2012 السيطرة على أحياء مدينة حلب، وهي ثاني كبرى مدن سوريا وإحدى المعارك المحورية في الحرب. وباتت الأحياء الشرقية للمدينة التي تأوي أكثر من مائتي ألف شخص منذ أسبوع محاصرة عمليا بعدما تمكنت قوات النظام السوري من السيطرة ناريا على طريق الكاستيلو، آخر منفذ إلى الأحياء الشرقية. وتخوض هذه القوات معارك ضارية ضد الفصائل على بعد نحو 500 متر من طريق الكاستيلو، كما في مناطق تماس بين الطرفين داخل المدينة. أما في ريف محافظة حلب، وبالتحديد، على جبهة مدينة منبج في ريف حلب الشمالي، فإن ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري وتحظى بدعم واشنطن، سيطرت ليل الجمعة - السبت على مبنى المشفى الوطني في مدينة منبج الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش المتطرف، بعد اشتباكات عنيفة مع مقاتليه». ونقل «مكتب أخبار سوريا» المعارض، عن أحمد إبراهيم المقاتل في صفوف ميليشيا «سوريا الديمقراطية» أنها «أحكمت سيطرتها على كامل مبنى المشفى وعدة أبنية سكنية على أطرافه، بعد مواجهات عنيفة مع مقاتلي التنظيم استمرت أربعة أيام، تزامنا مع غارات مكثفة لطيران التحالف الدولي على مواقعه». وأكد إبراهيم أن المواجهات «أدت إلى مقتل وإصابة أكثر من 40 عنصرا من (داعش) عثر على 16 جثة منهم، في حين قتل ثمانية عناصر من القوات المهاجمة، وأصيب 19 آخرون، بينهم ست حالات خطرة، إضافة إلى استيلاء القوات على كميات من الذخائر والأسلحة الفردية»، مشيرا إلى أن المواجهات «باتت على أطراف شارع الرابطة في الأحياء الغربية من منبج».
مشاركة :