زمن الناقد.. هل ولى إلى الأبد؟

  • 7/18/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: إبراهيم حمزة قد يبدو الحديث عن موت الناقد سخيفاً، في وقت يقوم الجميع فيه بدور الناقد بهذه العبارة الساخرة يناقش رونان ماكدونالد قضيته الأثيرة، مؤكداً أن تلاشي الصوت المسموع للناقد مشكلة عالمية غير قاصرة على الوطن العربي، لكن يبدو العالم كله مسرحاً للعبث بكل أنواعه، فبينما يقول سيبليوس: لا تصغوا إلى ما يقوله النقاد يذكر صمويل بيكيت أن ناقد المسرح هو من ذلك النوع من الرجال الذين لا يدعون مكاناً إلا ويمطرونه بالحجارة ويرى في مسرحيته الأشهر في انتظار جودو أن صفة الناقد أبشع صفة تصلح سباباً على إنسان، هذا ما يدور في الغرب، وينقله لنا صاحب كتاب موت الناقد رونان ماكدونالد، فهل نجد الحال في الوطن العربي بعيداً عن ذلك. يهتم الكاتب أشرف الخمايسي بالنقد باعتباره من أهم عوامل إثراء العمل الأدبي، لكنه ينظر للممارسة فيرى أن هناك مشاكل يرتكبها النقاد، عندما يشهرون النقد سيفاً لعقاب من لا يمشي في قوافلهم، أو يستعملونه سبوبة يتكسبون من ورائها، كان النقد إلى حد قريب أكاديمياً، لكن شبكات التواصل الاجتماعي، ونشاط المكتبات الخاصة بعيداً عن المؤسسات الثقافية الحكومية قلل من تأثير النقاد الأكاديميين، لصالح قراء عاديين جداً، يسارعون بإبداء آرائهم على المواقع الخاصة بهذا الأمر. يرى الشاعر والناقد المسرحي محمود الحلواني، أن الكثير من النقد تحول إلى نوع من المجاملة وتلميع الأصحاب والترويج لكتابة بعينها، بغض النظر عن قيمتها الفنية، في محاولة لإعلاء تفضيلات جمالية معينة بالحق والباطل في مقابل تدمير تفضيلات أخرى، بغرض اعتلاء السلطة والانفراد بالمشهد، هذا فضلاً عن تفشي الفهلوة في المهنة، على الجانب الآخر لم يعد الكاتب يقبل إلا أن يحتفل الناقد بنصه، ويبشر به بوصفه فتحاً جديداً في عالم الكتابة ويرفض أي مساس بنصه المقدس. وهو عين ما أكده نزار قباني طويلاً في حوارات قديمة له، حيث أكد كثيراً أن النقّاد العرب لم يضيئوا زاوية في الشعر العربي فقد كان الشعر العربي كعمل إبداعي سابقاً لكل عمل نقديٍّ، أما بالنسبة لي - والكلام لنزار - فعبرَ مسيرتي الطويلة هذه على مدى أربعين عاماً لم أستفدْ من كلمة نقد واحدة، يترك الناقدُ شعري ويتناول سيرتي الشخصية وشؤوني الصغيرة الخاصة، وأنا أفضِّل أن أقدِّم نفسي للقارئ كما أنا، وليس بالصورة التي يقدمها الناقد على مزاجه، ولو أن الشعراء العرب اعتمدوا على توجيهات النقاد ونظريّاتهم لتحولوا إلى بائعي فلافل، فمنذ أربعين سنة لم أستفد من كلمة نقد واحدة؛ إذ كان النقد إمّا عدوانيّاً أو شخصياً. لا يمكن إنكار الزلزال الثقافي الذي أحدثته شبكة الإنترنت في كافة صورها وتجلياتها، حتى أن راصدين يرون أن سلطة جديدة قد ترسخت من خلال الإنترنت، بحيث يستطيع المدون الترويج لكتاب ما، أما في الوطن العربي فيرى الأديب الدكتور سيد نجم أن التقنية الجديدة أتاحت هيئات متعددة ومنها: البريد الإلكتروني، المنتديات، المدونات، الرسائل.. وغيرها، كلها تحمل صفة إمكانية الكتابة ومع الشيوع تعدد القراء وسهل التعليق (النقد بدرجة ما) وهو شكل النماذج: القارئ/ الكاتب.. القارئ/ الناقد.. الكاتب/ القارئ.. الكاتب/ الناقد.. وهو ما يثير السؤال مجدداً: أين الناقد؟ ربما هو الكاتب، أو القارئ. وفرت الإنترنت للكاتب التفاعل الفوري مع المنتج.. ولم يعد ضرورياً أن يمتلك الكاتب موقعاً خاصاً، ويختار لتعبيره وحدات مرئية/ نصية/ سمعية، يضعها في نموذج مناسب (مدونة أو مجلة أو غيرها). من هنا أصبحت ذائقة القارئ على أرض مشتركة مع ذائقة الناقد، ويبقى الفارق هو الإمكانات والطاقات الفردية، وهو ما يتجلى في المنتديات وأشكال المحتوى الرقمي على الشبكة العنكبوتية. يرى الشاعر العراقي المقيم بمصر عذاب الركابي أن النقد لدينا إما نقد متعالٍ مكبل بالمصطلحات والصيغ التي لا علاقة لها بإبداعاتنا وإما نقد مجاملات، كم شاعرٍ رائع وجميل تغفله وسائل ودور النشر، وكم كاتب مجدد يمتلئ بيته بعدد من المخطوطات لا يستطيع نشرها. لا يزال النقد غير مواكب لهذا الإبداع رغم وجود نقّاد كبار في وطننا العربي، لكن الذي يسدّ هذا الفراغ النقدي المبدعون أنفسهم، فالشعراء وكتاب القصة والرواية لجؤوا إلى النقد، صرنا نكتب عن بعضنا، ولا وسيلة توصل أصواتنا للآخرين. ويرى الناقد د. محمد عبد المطلب أن النقد ليس في أزمة، بل إننا نحيا في ظل فوضي نقدية، وتتمثل في تعدد المسارات النقدية، تعدداً عشوائياً، يوجزها الدكتور عبد المطلب في خمسة مسارات: (النقد الآلي) الذي يتحول فيه الناقد إلى (جهاز تسجيل) يردد مجموعة من المصطلحات النقدية المترجمة، ثم يفرضها على النص، فيتحول إلى كائن مشوه. (النقد الحرفي) وهو عند البعض نوع من الحرفة، شبيهة بحرفة السباكة، فالناقد يمتلك مجموعة أدوات قدمها له علم السرد وما عليه إلا أن يطبقها على النصوص، لا فرق بين نص وآخر. (النقد المائي) وهو نقد شبيه بالماء، بلا لون أو طعم أو رائحة، أما المسار الرابع وهو (النقد الهوائي) الذي ينتهي أثره بانتهاء قراءته أو سماعه، وما أكثره. وهناك (النقد البهلواني) إذ يتقدم الناقد إلى النص، ويستخرج منه الأعاجيب، فهو أشبه بالحاوي الذي يخدع العين، فيسكب الماء من الكوب الفارغ، ويخرج البيضة من أذن المشاهد.

مشاركة :