تكمن مشكلة الإدارة الجامعية في الأساس في أنها تقوم بتسيير الأعمال بما يضمن السلامة، بمعنى أنها لن تقوم باتخاذ قرارات جذرية تسهم في رفع سوية العمل الجامعي ومخرجاته، على سبيل المثال لأسباب بعضها اقتصادي، لا تتخذ الإدارة الجامعية موقفاً حازما من سياسة القبول في الجامعات التي تؤدي إلى تكدس الطلاب في القاعات الدراسية، وتؤدي إلى انخفاض المستوى الأكاديمي وإلى مخرجات تعليمية يشكو منها سوق العمل. ويعود مثل هذا القرار إلى أبعاد اقتصادية وسياسية. فالجامعة تحتاج إلى مزيد من الموارد وزيادة عدد الطلبة في قاعة المحاضرات لا يزيد من الكلفة التشغيلية بينما يزيد من موارد الجامعات. وعلى الرغم من أن الإدارات الجامعية تؤكد على الدور المهم لعضو هيئة التدريس البحثية والتدريسية، إلا أن التعامل مع هذا الدور يحتاج إلى مرونة في تقدير المدرسين، فهناك من يكون ناجحاً في التدريس وهناك من يكون ناجحاً في البحث العلمي، وهناك من يكون ناجحاً في كليهما. ولذلك فالجامعات تخسر كثيراً من الأساتذة الناجحين في التدريس وذوي الإمكانيات البحثية القليلة. وإذا أخذنا في الاعتبار العجز الواضح في حملة الدكتوراه في العديد من التخصصات، فإن إعادة النظر في العمر الافتراضي لتقاعد أعضاء هيئة التدريس يحتاج إلى مراجعة، فأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الأمريكية لا يحدّه العمر، لأن خبراتهم المتراكمة وخصوصاً لأولئك الذين حصلوا على انجازات بحثية وترقيات أكاديمية هي ضرورية لإثراء العمل الأكاديمي. وفي الجانب الاقتصادي، تعاني العديد من الجامعات الحكومية في العديد من الدول العربية من العجز في ميزانياتها، ولذلك تلجأ إلى زيادة القبول في الجامعات للحصول على الرسوم الدراسية لتخفف من عجزها، وبعضها يلجأ إلى ما تم اختراعه باسم التعليم الموازي برسوم مرتفعة، تتيح للطلبة ميسوري الحال من ذوي الدرجات المنخفضة دخول الجامعات جنباً إلى جنب مع الطلبة المتفوقين. ولا يخفى علينا ما لهذا الأمر من تأثير على مستوى التعليم من جانب ومن جانب آخر هو أسلوب يفتقر إلى الإنصاف إذ يتيح للأغنياء أن يدرسوا بينما الفقراء لا مجال لهم للدراسة. ويطغى على الجامعات الخاصة الجانب الاقتصادي على حساب الأداء الأكاديمي. ولذا يتدخل أصحاب رأس المال في ما يتم تخصيصه للممارسة الأكاديمية السليمة، من شراء المختبرات، واختيار أعضاء هيئة التدريس والبحث العلمي، وتوفير البنى التحتية الملائمة ـ بالإضافة إلى التدخل المباشر في سير العملية الأكاديمية والبحث. ويتم التعامل مع أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الخاصة بطريقة تجارية، إذ يتم الاستعاضة عن الأساتذة ذوي الخبرة والأجور المرتفعة نسبيا بمدرسين حديثي التخرج ومرتباتهم أقل دون النظر إلى تأثير ذلك على مستوى الأداء الأكاديمي. في العديد من الجامعات الخاصة تتعامل مع الاستثمار في مجال التعليم باعتباره سلعة ونجد أن أرقام الأرباح فيها تتجاوز حدود الاستثمار في المجالات الأخرى، ففي الأردن تصل الأرباح لدى بعض الجامعات إلى 30 % التي يتم توزيعها على المساهمين في الوقت الذي لا يتحقق فيه لأعضاء هيئة التدريس الشروط الأكاديمية المتبعة في الجامعات الحكومية مثل التفرغ الأكاديمي ومكافآت نهاية الخدمة، مما يؤدي إلى أن نسبة عالية من عدم الاستقرار الوظيفي لهيئات التدريس ويقود إلى نسبة تسرب عالية حيث ينتقل فيه عضو هيئة التدريس من جامعة إلى جامعة أخرى حسب العرض الأفضل الذي يحصل عليه ويمكننا أن نتخيل طبيعة الأداء الوظيفي حينما لا يشعر المدرس بالأمان الوظيفي وعدم الاستقرار.
مشاركة :