ما موضوع مقالي؟ أتراه يهيج أشجانا كامنة؟ أم عساه يوقظ نداء خفيا؟ أيعرض ما نتهرب منه؟ أيحقق لروح مجروحة أمنية منسية؟ أم لعله ينكأ بعض همومنا الدفينة؟ وهل يفضح كذب المِرْآة؟ ويظهر الوشم الغائرلإنسانيتنا المُضَيعة؟ أصار هو حكما بأنني تخيلت قصة هذه الأخت المؤلمة والموجعة، وهي قصة حقيقية في أصلها، كما اجتهدت في صياغتها، وأعرضها هنا نيابة عنها للتأمل والفائدة، صارحتني باكية بحرقة: إن المجتمع الذي أعيش فيه طاهر، بل هو أطهر من الطهر، أو هكذا يزعمون، وأظنهم يُصدقون ذلك، هم يدَّعُون عبادة الله الغفار، ولكن قلوب بعضهم لا تعرف المغفرة، فهم يكرهون العاصين الناقصين مثلي! تصرخ: اسمعوني يا معشرالمسلمين ذكورا ورجالا، أنا أختكم وبنتكم وجارتكم، الأنثى العورة، أعترف لكم من وراء ألف ستار، بأنني أخطأت، ضَعُفت، زلت قدمي، أذنبت، وندمت، ولكن ذنبي لا يُخبأ كذنوبكم، ان ثمرة ذنبي روح، تتحرك في أحشائي، وتكبر يوما بعد يوم، نعم تكبر، وتكبر معها بطني، يا للمفاجأة، ويا للفاجعة، ويا للفضيحة، ويا للعار، فقدري – ولله الحمد أن أكون الأنثى في مجتمع مسلم، لكنه – وإلى الله المشتكى يكيل بمكيالين، أما شريكي في الخطأ فحاله مختلف، فلا دليل أبدا لفعلته، لا حمل، ولا وحام، ولا بطن، وسرعان ما ينسى خطأه، ويعيش مثلكم وبينكم و حولكم عيش الطهر والأطهار. «تخلصي منه، اخنقيه، أجهضيه، اقتليه»: كان هذا بعض رده حينما أخبرته، ورجوته أن يتقدم لخطبتي لِنستر الأمر، وتعيش الثمرة بيننا، أنا لست جاهزا، ولا مستعدا لهذا، لم أكن أتوقعه، سامحيني، تصرفي بسرعة، ولن يعرف أحد أبدا»، «لن يرضى والدك بي زوجا، فأنتم أغنياء، وأنا مجرد موظف بسيط»، «هيا، فلنهرب سويا، ونعيش بعيدا»: أجوبة هاربة وحالمة، ولم تزدني إلا ألما وحسرة وكمدا. أفقت من غفلتي، كرهته، وكرهت نفسي، وهجرته للأبد لأفكر في مصيبتنا، بل هي مصيبتي أنا لوحدي، لا غير، فخطيئته في مجتمعي المطفف جهل وطيش وشباب مغتفر، ولكن خطيئتي عار لا يُمسح أبد الدهر. سيجن أخي الفارس إذا عرف، وهو الذي عاد للتو من سفره المتكرر لبلاد جميلة تعرفونها، إن أبوي غير راضيين عن سفره، ونمت إليهما بعض أخباره ومغامراته، وهما يدعوان له بالتوبة، ويسعيان في تزويجه، طبعا سيجن، ويحس بإهانة لكرامته وسمعة العائلة والقبيلة، وحُق له ذلك، أنا أعرف جنونه وغضبه، ولعله يقتلني، أما أبي الحبيب الذي يتغنى بمآثر البادية وسلومها وطهرها ونقائها، فما أظنه سيرحمني كذلك، ما أظنه يقتلني، ولكن لا أشك أن عقوبتي هي السجن في المنزل خادمة ذليلة للأبد بلا تعليم أو عمل أو احتمال زواج. لقد تبخرت الأحلام، وغرقت الوعود، وتعرت الحقيقة، وبدأت تكبر وتثقلني، أنا آثمة وخاطئة ومذنبة، لا أشك في ذلك، وما لي إلا رجاء مغفرة ربي الرحيم، ولقد قرأت من قصص التائبين والتائبات في الحديث الشريف ما يؤيد توبتي، ولقد بكيت كثيرا، وصليت، واستغفرت، ودعوت..، لكن ما ذنب الجنين الذي يتحرك في بطني؟ أفكار تتجاذبني، وتكاد أن تمزقني: الإجهاض حَل ومخرج للأمر كله، والله غفور رحيم، لكنه قتل نفس بريئة، والله لا يرضى ذلك، ألوم نفسي، وأتهمها، فتتهمني قائلة: أتخافين الآن من غضب الله وعقابه؟ أين كان خوفك عندما أسكرتك الأحلام والرغبات؟ أنت عاصية، والإجهاض معصية، لكنك مضطرة، يا الله، أنقذني من حيرتي؟ صارحت أختي الكبرى بعد تردد طويل، صدمت، وفجعت، ولطمت وجهها، لكنها سرعان ما هدأت، وأخذت تهدئني، وهي تفكر: «ما رأيك لو تزورينني في منزلي، وتمكثين معي حتي تضعين ما في بطنك، وأنا أرملة كما تعرفين، وقرار تعيينك لن يصدر قبل سنة أو سنتين»: إنه حل منقذ ينتشلني من حيرتي، فأنا لا أريد أن أحل المعصية الأولى بمعصية أكبر هي قتل النفس المحرمة. أقنعت أختي الكبرى والدي بالفكرة، وخبأت أمري في منزلها، ووضعت مولودي سرا، رأيته، حملت ابني بيدي، شممته، حضنته، أحببته من أول نظرة، فرحت، ابتسمت، ولكن أختي كانت تنظر إلي في قلق وخوف، وبعد مضي أسبوعين من ولادتي أتت إلي أختي قبل صلاة الفجر بساعتين، وكانت تحمل بيدها مهدا به لحاف صغير وملابس جديدة لابني الذي لم أسمه بعد، وما أظنني أقدر على ذلك، نظرت إليها، ونظرت إلي، وقالت في صوت حزين: أختاه، لقد فعلت القرار الصحيح، وهذا ابنك صحيح، وحي يرزق، والله سبحانه وتعالى لن يضيعه، «ماذا تقصدين؟»: سألتها وأنا أرتجف، قالت يا أختي: مجتمعنا لا يرحم، ولا يغفر، ولا ينسى، وليس هنالك سبيل لتربية هذا الولد الجميل في بيتك أو بيتي، وإذا عَرف بأمره أحد حصل ما تخشين من خوف وعار وانتقام، فاتركي أمره لله وحده، ولا تتعلقي به، هيا قبليه، وودعيه، واستودعيه من خلقك وخلقه،البقية ستنشر في الجزء 2.
مشاركة :