ارتبط اسم دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية المعارض في تركيا بكثير من المواقف المفصلية ذات التأثير على توجهات السياسة الداخلية سلبا تارة وإيجابا تارة أخرى. وعلى الرغم من معاناة حزب الحركة القومية من الانقسامات في العامين الأخيرين وتأثير ذلك على نسبته في الانتخابات البرلمانية في تركيا في أول نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وتراجعها إلى نحو 13 في المائة، والظروف الصحية لبهشلي نفسه وزيادة الضغوط عليه من جانب منافسيه على زعامة الحزب، ظهر بهشلي بموقف لافت خلال محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا الجمعة الماضي. وأعلن بهشلي منذ اللحظات الأخيرة رفضه لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي أكد أنها تستهدف الديمقراطية في تركيا كما أعلن أول من أمس الثلاثاء في كلمة أمام اجتماع الكتلة البرلمانية لحزبه بالبرلمان تأييدهم للعودة بالعمل بعقوبة الإعدام وهو المطلب الذي تحدث عنه الرئيس رجب طيب إردوغان باعتباره مطلبا شعبيا ستدرس الموافقة عليه في البرلمان. وعلى الرغم من أن تصلب بهشلي بشأن تشكيل حكومة ائتلافية في تركيا عقب الانتخابات البرلمانية في يونيو (حزيران) العام الماضي بعد إخفاق العدالة والتنمية في حصد نسبة الأصوات التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا وهو ما ترك تأثيرا سلبيا على حزب الحركة القومية في الانتخابات المبكرة في نوفمبر من العام نفسه، فإنه سبق أن قدم الدعم لحزب العدالة والتنمية في مواقف ومنحيات مهمة. فقد أيد حزب الحركة القومية في عام 2008 طرح مسألة الحجاب على البرلمان وتغيير النص الذي يمنعه في الدستور التركي في وقت كان حزب العدالة والتنمية يتعرض لضغوط شديدة من الطغمة العلمانية في تركيا. كان بهشلي أستاذا جامعيا عندما دعاه ألب أرسلان توركش زعيم حزب العمل القومي (الذي يعرف الآن باسم حزب الحركة القومية) ليكون أحد قيادات الحزب وبعد وفاة أرسلان عام 1997 تسلم قيادة الحركة القومية في تركيا، ولمع نجمه في انتخابات 1999 إذ أحرز الحزب نجاحا كبيرا وفاز بنسبة 18 في المائة من الأصوات ودخل البرلمان في المركز الثاني حاصلا على 129 مقعدا. وشارك الحزب في الائتلاف الحاكم مع حزب اليسار الديمقراطي وحزب الوطن الأم وعمل بهشلي وزيرا ونائبا لرئيس الوزراء. ولد بهشلي في الأول من يناير (كانون الثاني) 1948 في محافظة عثمانية جنوب تركيا لعائلة غنية تنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، غير أنه اختار في شبابه الانضمام إلى الحركة القومية التي تزعمها ألب أرسلان توركش. تخرج من أكاديمية العلوم الاقتصادية والتجارية بجامعة أنقرة عام 1971. وحصل على الدكتوراه في الاقتصاد في معهد العلوم الاجتماعية بجامعة غازي، وعمل في الجامعة نفسها أستاذا محاضرا حتى عام 1987. وبدعوة من ألب أرسلان توركش زعيم حزب الحركة القومية انفصل عن الجامعة ليعمل نائبا لزعيم حزب العمل القومي. وبعد وفاة ألب أرسلان توركش في 4 أبريل (نيسان) 1997 تم انتخابه زعيما لحزب العمل القومي. ولم يتزوج بهشلي حتى اليوم. وهو يتمتع بشخصية جادة وقوية وبعيدة عن الفساد، ومما يحسب ضده مشاركته في الائتلاف الحاكم الذي عاشت البلاد في عهده أزمة اقتصادية طاحنة، وعدم نجاح الائتلاف في ذلك الوقت في إعدام عبد الله أوجلان زعيم منظمة حزب العمال الكردستاني، ومعارضته لمنح الأكراد الحريات الثقافية في الإذاعة والتعليم، وموقفه المناهض لعضوية الاتحاد الأوروبي. ومن المواقف التي أضرت بحزبه أيضا إعلانه في اليوم التالي لصدور نتائج انتخابات السابع من يونيو العام الماضي أن نتيجة الانتخابات تقتضي تشكيل حكومة ائتلافية بين أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، وأن حزبه يفضل أن يكون في صفوف المعارضة، فإن فشلت هذه الأحزاب في تشكيل حكومة ائتلافية فلا مناص من الانتخابات المبكرة. وعندما فشلت جهود رئيس حزب العدالة والتنمية السابق أحمد داود أوغلو في تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب الشعب الجمهوري اتجهت الأنظار ثانية نحو حزب الحركة القومية، من زاوية أنه لن يسمح بإضعاف موقف الدولة التركية وهي تخوض حربا شرسة ضد منظمة حزب العمال الكردستاني وأتباعها داخل تركيا وخارجها، حيث تقوم آيديولوجية الحزب على تقديس الدولة التركية ووضعها في المركز، وتقديم مصالح الدولة على كل ما سواها. وتحولت سياسات بهشلي إلى لغز محير فبدل من أن يقوم الحزب بتقديم الرؤى والمشاريع السياسية والحلول للمشاكل عمد إلى انتهاج سياسة سلبية تقوم على ردود الفعل، وتتمركز حول العداء الصريح المعلن لشخص رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان، وتحميله مسؤولية كل شيء وانتقاده بأسلوب يخلو من اللباقة والدبلوماسية ما دفع إردوغان إلى الرد بالمثل. فقد رفع بهشلي لاءات حزب الحركة القومية، لا للمشاركة في حكومة ائتلافية سواء مع حزب العدالة والتنمية أو غيره من الأحزاب الأخرى. لا لتشكيل حكومة أقلية مؤقتة تسير شؤون البلاد إلى حين إجراء الانتخابات المبكرة. لا للمشاركة في أي تشكيل حكومي يكون حزب الشعوب الديمقراطي طرفا فيه. وبعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية للمرة الثانية بتشكيل حكومة تسيير أعمال حتى إجراء الانتخابات المبكرة، وجه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو رسائل عرض فيها الوزارة على النواب من الأحزاب المختلفة بأسمائهم كما تنص مادة بالدستور، وليس إلى رئاسة أحزابهم كما تطالب الأحزاب السياسية. ورفض غالبية نواب المعارضة الذين كلفهم داود أوغلو المشاركة بالوزارة مذعنين لأوامر رؤساء أحزابهم بمقاطعة الحكومة، لكن قبول طغرل توركش نائب رئيس حزب الحركة القومي ونجل مؤسس الحزب ألب أرسلان توركش الوزارة شكل صدمة كبيرة فاجأت الجميع. وأحدث ذلك زلزالا قويا في صفوف حزبه، لما يشكله شخص توركش من رمزية وخصوصية، كما أنه كان المرشح الأقوى لرئاسة الحزب عام 2007. لكن انسحاب بقية المرشحين لحساب دولت بهشلي جعله يخسر سباق الرئاسة ليتم انتخابه للبرلمان دورتين متتاليتين نائبا عن العاصمة أنقرة، ثم تعيينه نائبا لرئيس الحزب. والآن يعمل توركش في صفوف العدالة والتنمية وهو نائب رئيس الوزراء التركي، بينما آل الحزب إلى حالة من الضعف جعلت بهشلي يعاني كثيرا في الأشهر الأخيرة.
مشاركة :