الجماد يحكي عنا في «كائنات» مها الملوح

  • 2/2/2014
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا أدرى من قائل المقولة " عندما ترغب في التعرف على تاريخ شعب أذهب الى متحفه" وبمعنى آخر عندما نزور أي بلد في العالم نريد أن نتعرف على تاريخه وحضارته نزور متحف هذا البلد، فنحن نستدل من خلال ما خلفه هذا الشعب من منحوتات وأدوات ورسومات وما شابه من آثار تكشف لنا عن نوعه وإنسانيته ومن ثم مدى تدرج هذا الشعب في التعبير عن مظاهره من آثار كونت تراثه وأدت به الى الخلود. هذا الرسم أو تلك الحجارة أو هذه الأداة أصبحت كائنات تملأ الدنيا بأشكالها وألوانها أصواتاً ونغماً يقضي على السكون والموات. من هذا المنطلق تعرض الفنانة التشكيلية السعودية مها الملوح في قاعة سلمى فيراني بعاصمة المملكة المتحدة " لندن" حاليا معرضا بعنوان " كائنات موزعة " تطرح من خلاله عدداً من الأعمال المفاهيمية المبنية على فكرة إهمالنا لأدوات ولو كانت بسيطة في محتواها مثل أواني الطبخ وصحون الأكل ومع ذلك هي جزء من تراثنا الجميل المتميز الذي يعد ثروة في عالمنا المعاصر وجزءاً لا يتجزأ من منابع فكرنا وثقافتنا، ولابد من إعادة تدويرها وإحيائها من جديد كي لا تغزوها ثقافات مختلفة غريبة علينا فتمحو بذلك طبيعتها الخاصة المتميزة، فما نشاهده اليوم في عصر العولمة من تغيير لا نلمسه فقط من خلال أدوات صناعية أجنبية غزت أسواقنا بل ومنشآت معمارية وأزياء وحلي وأثاث منزلي وما شابه لهو دليل حي على الجوانب السلبية التي صنعت حجابا فاصلا بين الحفاظ على التراث والهوية السعودية المميزة. بهذا الحدس الجمالي قدمت الملوح فلسفة تعبيرية من خلال أوان وصحون استخدمها العرب قديما في الطهي والأكل ووضعتها على شكل هرم متماسك بالجدار ليحكي للغرب عن تاريخ له عراقة ليدرك عقل المتلقي بذلك إدراكا سهلا منفردا ذا تأليف معاصر في الطرح والفكر، من خلال هذه الأواني "كائنات" يشهد العالم بأنها تستطيع السفر لتحكي عن منطق وثقافة وطنها وتتواصل مع كائنات دول مختلفة الثقافات، وتظل في محيطها العربي الأصيل فهذه الكائنات كانت ذات أهمية كبيرة في العادات والتقاليد الشعبية للوطن فأصبحت هذا الجزء من التراث المفقود الذي نخشى أن يتلاشى. يتبين لنا هنا أن التفسير الإبداعى لطرح الملوح قد أعتمد على المعرفة التي مرت بعدة عمليات من التفكير والتأمل قبل بزوغ الفكرة حيث تقوم عدة قوى ومتغيرات تتفاعل سيكولوجيا وثقافيا وتتصل بذاتها اتصال مباشر مع واقعها الاجتماعي، فقد استخدمت الملوح الرمز " الأواني" كجوهر التعبير فجاء انتقائها لمادة فريدة مصحوبا بعدد من الرؤى الجمالية المتناثرة والتي عملت على أن تجلو غوامضها لتثبت بذلك أن عالمها لا ينفصل تاريخه وإرثه عن حاضره فقد جمعت الملوح بين ميولها الفطري المتشبع بروح وطنها وبيئتها وعاداتها وتقاليدها وعواطفها المدركة وبين ملكاتها التأملية. ان المتتبع للحركة الفنية التشكيلية في العالم الغربي حاليا قد يجد هذا النوع من التعبير المفاهيمي " conceptual art " هو الغالب على العروض الفنية في المحافل الثقافية الدولية وقد لا نستطيع ان نصنفه كعمل تجريبي في مجال الفنون إذ انه يعتمد على منهج فلسفي مبني على فكر خاص بمنتجه وتحليل لا يخلو من دراسة السلوك والنشاطات الإنسانية العقلية، انه أحد الطرق من الطرائق الأخرى المختلفة في التعبير ويعد نزعة تنتمي الى النزعات الفنية التي فرضت وجودها على فنون ما بعد الحداثة، إنه انطلاقة تطرح رؤية جديدة للواقع بغرض أن تربط الواقع بالحياة بمعنى ان يتجه الفنان بمحادثة الحياة من خلال استخدام أشياء ملموسة وواقعية بحيث تصبح "الفكرة" هي الهدف الحقيقى للفن، كما ان العمل المفاهيمي يتحلل من الأسس التقليدية ويستخدم أدوات بسيطة كما في حالة الملوح التي استخدمت الأواني كرمز تعبيري عن بيئة فالرمز هنا حل محل الشيء المقصود وهو قابل لرؤى متعددة تدعى الزائر الى التساؤل عن المعنى غير المباشر وتثير فضوله الى حل مغزاها وطلاسمها وكما قال الناقد والفنان المصري "عز الدين نجيب ": أبحث عن الغائب في العمل المفاهيمي لا عن الحاضر". ولو أن هذا النوع من الفنون ما زال لا يجد إقبالا في عالمنا العربي والممارسين له من فناني الوطن قلة قليلة لا تتجاوز عدد أصابع اليد إلا أن بعض من فناني الوطن استطاعوا أن يواكبوا بل وينافسوا أقرانهم من دول العالم المختلفة بطرح أعمالهم عالمياً التي لم تخل من عوامل الطلاقة في التعبير والتخيل الخلاق بأصالة سعودية صادقة وها هنا نجد إحدى تشكيليات الوطن "مها الملوح" باطلاعها وخبراتها وثقافتها الملمة بالأساليب المعاصرة قد وظفت ملكاتها بنزعة فنية معاصرة لتثبت للعالم ان الفنان السعودي قادر على مواكبة عصر العولمة وتوظيف الأساليب الحديثة مع الحفاظ على هويته.

مشاركة :