على طريقة «قلّة الحيلة السياسية تولّد النقار»، تتّجه حكومة الرئيس تمام سلام الى ان تتحوّل «كيس ملاكمة» تصبّ القوى اللبنانية «إحباطاتها» عليه، إما كنتيجة طبيعية للدوران المتمادي في الحلقة المفرغة من الفراغ في رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ 26 شهراً، او كواحدة من جولات «لي الأذرع» داخلياً في سياق رفع منسوب الضغط في الملف الرئاسي. وبدا واضحاً في غمرة انسداد الأفق الرئاسي بفعل اشتداد الاشتباك الاقليمي عدم بروز إمكان انتقال لبنان، أقلّه في المدى القريب، من مرحلة «المهادنة» بين طهران والرياض التي تحكمه منذ تشكيل حكومة الرئيس سلام الى حقبة تكريس «ترسيم النفوذ» السعودي - الايراني في بيروت، باعتبار ان ذلك يبقى محكوماً بما ستؤول اليه المواجهة المستعرة في الساحات الأخرى، ولا سيما سورية واليمن. ولأن ثمة تسليماً داخلياً بعدم القدرة على اجتراح «معجزات» تنهي الفراغ الرئاسي بمعزل عن «الوعاء» الخارجي، وذلك رغم المحاولات التي تجري تحت عنوان حياكة مظلة لبنانية للحلّ تسحب الأزمة المتفاقمة من حلبة الصِدام الخارجي، فإن إشارات عدة تتراكم الى ان البلاد تتّجه الى مرحلة جديدة من توالُد الأزمات تشي بفصول أقسى في لعبة «عضّ الأصابع» وبمزيد من «الرقص على حافة الهاوية»، في ظلّ انكفاءٍ دولي عن مواكبة الوضع اللبناني بعدما تصدّر عنوان الإرهاب الأجندة الاوروبية وقلبت محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا الاهتمامات عالمياً، من دون ان يسقط الخط الأحمر المرسوم تحت عنوان «حفظ الاستقرار في لبنان». وفي هذا السياق تشير أوساط مطلعة عبر «الراي» الى ملفيْن يُنتظر ان يشغلا المشهد السياسي في لبنان، ويحملا بذور «عاصفة» سياسية لن تغيب عنها «رياح الرئاسة»، ويتوقّع ان تهبّ على الحكومة التي تزداد مع كل جلسة تعقدها «المتاريس» داخلها كما حصل اول من امس، ما ينذر بأن يضع البلاد أمام مخاطر سقوط آخر «الدروع الواقية» من فشل النظام اللبناني برمّته. الملف الاوّل هو الموازنة العامة لسنة 2017 التي كانت قفزت الى الواجهة من زاوية التحذير من خطورة الاستنزاف المالي، قبل ان تتداخل في هذا الملف الاعتبارات السياسية في ظلّ ربْط «التيار الوطني الحر» (يقوده العماد ميشال عون) إقرار الموازنة بانتخاب رئيس للجمهورية وبتّ مسألة الحسابات المالية العالقة عن فترة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (بين 2006 و 2009) والمقدّرة بـ 11 مليار دولار وإجراء قطْع لحساباتها، ليردّ تيار «المستقبل» مطلقاً الاستعدادات لفتح تحقيق برلماني في ملف الكهرباء الذي «يصيب» التيار الحر. وفي هذا السياق، تقاطعت المعلومات عند ان ما لا يقلّ عن عشرة وزراء (بينهم الوزيران سجعان قزي ورشيد درباس) باتوا يشكّلون نوعاً من الـ «لوبي» داخل الحكومة وهم توافقوا على رفع الضغط لإنجاز الموازنة تحت طائلة تعليق مشاركتهم في جلسات مجلس الوزراء. اما الملف الثاني فهو التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي الذي يحال على التقاعد اواخر سبتمبر المقبل، وسط معلومات يجري تداولها عن اتجاه العماد عون الى خوض معركة حتى النهاية لمنع تأجيل التسريح الثالث على التوالي لقهوجي على رأس المؤسسة العسكرية (مُدد له العام 2013 ثم 2015)، وأنه مستعدّ لقلب الطاولة على الحكومة عبر الانسحاب منها او عرْقلة عملها وتحويلها لتصريف الأعمال. وتشير أوساط سياسية عبر «الراي» الى ان المناخ الشديد السلبية من عون حيال اي تمديد جديد لقهوجي هو عملياً سيف ذو حدّيْن، مع إقراها بأن التمديد بحال حصوله سيُعدّ «صفعة» ثالثة على التوالي يتلقاها زعيم «التيار الحر» الذي وقف في المرتين السابقتين بقوة ضدّ تأجيل التسريح وآخرها طامحاً لايصال صهره العميد شامل روكز الى قيادة الجيش. وبحسب هذه الاوساط، فإن اي خطوة بالانسحاب من الحكومة او تعطيلها بالكامل لن تكون إلا في إطار عملية «ابتزاز» سياسي لاستثمارها في الملف الرئاسي، على قاعدة ان سقوط «الركن الأخير» من الاستقرار المؤسساتي الذي تشكّله الحكومة سيعجّل في بتّ الانتخابات الرئاسية على قاعدة ما رست عليه المرحلة الاخيرة التي ارتفعت معها حظوظ عون «دفترياً» من خلال انضمام النائب وليد جنبلاط الى دائرة الذين لا يمانعون وصوله الى قصر بعبدا الى جانب الدعم الذي يحظى به من «حزب الله» و«القوات اللبنانية». علماً ان استمرار النائب سليمان فرنجية بترشّحه مدعوماً من الرئيس سعد الحريري بشكل رئيسي ومن الرئيس نبيه بري بدرجة أقلّ يبقى حالياً حجر العثرة امام تعبيد الطريق لدخول عون قصر بعبدا. وترى الأوساط نفسها ان اي اندفاعة من عون في اتجاه المساس بالحكومة يمكن ان ينعكس سلباً على حظوظه الرئاسية، باعتبار ان هذا سيستجلب استياء داخلياً وغضباً خارجياً، قد يطيح بكل ما بناه زعيم «التيار الحر» في الأشهر الأخيرة، لاسيما وان المجتمع الدولي يتعاطى مع الحكومة الحالية كضرورة كبرى لمواجهة خطريْن: هما الإرهاب وملف النازحين السوريين الذي تتعاطى معه اوروبا على انه «قنبلة» تخشى ان تصيبها شظايا انفجارها. ووفق هذه الأوساط، فإن اعتراض عون على التمديد لقهوجي، الذي إن حصل فسيُبقي مجدداً حظوظ الاخير كمرشح مضمر للرئاسة، محكوم بـ «حقل ألغام» وربما يعمد زعيم «التيار الحر» الى اللعب «صولد» مع كل المحاذير المترتبة على ذلك او يعتمد سياسة الابتزاز للحكومة باعتبارها آخر «مربّعات الشرعية العاملة».
مشاركة :