«عباد الشمس» للفنان الهولندي فان غوخ.. قصة لوحتين

  • 2/2/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لندن: عبد اللطيف جابر في عام 1888 نفذ الفنان الهولندي فينسنت فان غوخ لوحة عباد الشمس، والتي أصبحت من أشهر الأعمال الفنية في العالم التي يمكن التعرف عليها، وذلك بعد أن انتقل للعيش في مدينة آرل في بروفونس في جنوب فرنسا. السبب وراء رسمها هو أنه كان يريد أن يزين باللوحة، أو الأصح بسلسلة اللوحات، غرفة نوم صديقه الفرنسي وابن جيله الرسام الشهير بول غوغاين، الذي كان ينتظر قدومه إلى المكان. اختار فان غوخ زهور عباد الشمس للونها الأصفر، وهذا يتماشى مع لون البيت الذي كان يعيش فيه، وألوان الطبيعة التي تميز الجنوب الفرنسي المتوسطي في فصل الصيف، وهذا ما ميز ألوانه في تلك الفترة، والتي جاءت بعد زيارته لباريس قبل عدة أعوام وتأثره بأعمال بعض الفنانين هناك. المعرض الذي يستضيفه المتحف الوطني البريطاني (ناشيونال غاليري) في ساحة الطرف الأغر في وسط لندن، يتضمن لوحتين لزهور عباد الشمس، واحدة بحوزة المتحف الوطني البريطاني، والتي اشتراها المتحف عام 1924 من ورثة الفنان، أما التي تعرض إلى جانبها فهي نسخة من ثلاثة رسمها الفنان فيما بعد. اللوحات الأربعة التي رسمها فان غوخ عام 1888، إحداها دمرت خلال الغارات الأميركية على طوكيو في الحرب العالمية الثانية. أما اللوحات الثلاث الأخرى، فواحدة موجودة في ميونيخ وأخرى في حوزة جامع خاص للفنون، عرضت آخر مرة عام 1984، والثالثة في حوزة «ناشيونال غاليري» في لندن. أما النسخ الثلاث فهي موجود في أمستردام وفيلاديلفيا وطوكيو. تنتمي أعمال الفنان الهولندي فان غوخ إلى فترة ما بعد الانطباعية، واشتهر في حيوية ألوانه وحياته المعذبة بسبب المعاناة النفسية. ولد فان غوخ في هولندا وزار لندن عام 1873 وزار باريس بعد عام، وبدأ مزاولة الرسم في عام 1883، وفي عام 1885 انتسب إلى أكاديمية الفنون في إنتويرب وتعرف هناك على الأعمال الفنية المطبوعة اليابانية وتأثر بها. وعندما عاد إلى باريس في عام 1886 تعرف هناك على مجموعة من الفنانين مثل ارغار ديغا وبول غوغاين، ويقال إنه خفف من حدة ألوانه بعد تجربته الجديدة في باريس. اشتهر بأنه الفنان الذي قطع أذنه، وكتب الكثير عن ذلك وعن الأسباب التي دفعته إلى إيذاء نفسه. لكن المعروف أن فان غوخ انتقل للعيش في آرل في جنوب فرنسا عام 1888 وهناك رسم مزهريات عباد الشمس احتفاء بقدوم صديقه لزيارته. وبعد عام أصابه انهيار عصبي وأدخل مصحة للأمراض النفسية في سان رمي، وهناك رسم عمله الشهير «حقول القمح وأشجار السرو». وفي عام 1890 أصابه انهيار عصبي آخر وأطلق النار على نفسه وجرح في صدره وتوفي بعد يومين من الحادث. المعرض الحالي يتضمن إحدى اللوحات الأربعة، وهي التي يملكها المتحف الوطني البريطاني في لندن وتعرض ضمن مجموعته الدائمة، وإلى جانبها، كما تظهر على اليمين، تعرض إحدى النسخ الثلاث والتي يملكها متحف فان غوخ في أمستردام ضمن مجموعته الدائمة. ولأول مرة منذ 1947، عندما استضاف متحف التيت (تيت بريتين) نسختين من السلسلة لمدة ثلاثة شهور، يعرض الناشيونال غاليري لوحته الدائمة إلى جانب النسخة التي استعارها من متحف فان غوخ في أمستردام. وهذه أول مرة ينجح المتحف في عرض عملين لنفس اللوحة في مكان واحد منذ 65 عاما، وتعتبر التجربة فرصة العمر لمن يرغب في التعرف عن قرب على اللوحة والتغييرات التي طرأت على النسخة على يد الفنان في وقت لاحق. وقال كريستوفر ريوبيل، المسؤول عن تنظيم المعرض: «لقد انتظرنا 65 عاما لأن يحدث شيئا من هذا القبيل، وربما علينا أن ننتظر 65 عاما أخرى لتكرار التجربة». ويعتقد ريوبيل أن من يزور غاليري فان غوخ في أمستردام لرؤية النسخة الدائمة التي بحوزته «سيخيب أمله لأنه لن يجدها معلقة في مكانها المعهود». ويعتقد ريوبيل أن عرض هذه اللوحات مع نسخها في مكان واحد شبه مستحيل بسبب الترتيبات اللوجيستية المطلوبة»، مضيفا: «عرض اثنتين من اللوحات شيء رائع، أما عرض جميع اللوحات والنسخ في مكان واحد فهو حلم لم وربما لن يتحقق». عرض اللوحتين استقطب جمهورا كبيرا من الناس. وترى صفا طويلا خارج مبنى المتحف الوطني، والسبب في ذلك ليس فقط الإقبال الكبير من الناس لرؤية المعرض وإنما بسبب تجمهر الناس والانتظار الطويل أمام اللوحتين في محاولة من الزائر للمقارنة بين العملين والتعرف على الاختلافات بينهما. التعرف على الاختلافات ليس صعبا لأنها واضحة، ومن السهل التعرف عليها. النسخة، القادمة من متحف فان غوخ في أمستردام، أطول قليلا من اللوحة التي بحوزة المتحف الوطني وتعرض إلى يمينها، وذلك لأن فان غوخ أراد أن يترك هامشا يفصل بين الزهور وإطار الصورة، كما يقول مارتن بيلي، الذي نشر أخيرا كتابا عن اللوحات تحت اسم «أنا املك عباد الشمس». ويقول في كتابه إن الناس تحاول إيجاد أوجه الشبه والاختلاف بين اللوحات والنسخ. «وهذا ليس بالشيء الصعب لأن بعض الفروقات واضحة جدا، مثل الفرق في الطول بين اللوحة والنسخة، وأيضا تجد مكان توقيع الفنان اختلف قليلا بين العملين». وفي تصريحات لصحيفة الـ«غارديان» البريطانية قالت إيلا هندريك، التي تعمل في عمليات الترميم في متحف فان غوخ في أمستردام إن مشاهدة اللوحتين جنبا إلى جنب يفتح عينيك على مقارنات جديدة، ومن هنا تبدأ المقارنة والتحدي في إيجاد أكبر عدد ممكن من الفروقات». ومما شجع الناس على القيام بهذه المقارنة الحميمة هو الملصق الدعائي للمعرض والذي يظهر توأما متماثلا تحملان حقيبتين رسمت على كل منهما لوحة عباد الشمس. وعند دخولك القاعة التي تعرض اللوحتين فعليك أن تزاحم الناس في إلقاء نظرة سريعة عليهما، وتسمع همهمات الناس المزعجة والمحرجة في آن واحد حول ما اكتشفوه من فروقات بين اللوحة والنسخة وكأنهم في مسابقة «البحث عن الفروقات». يستمر المعرض حتى 25 ابريل (نيسان ) المقبل.

مشاركة :