عصام الجردي مرّ نحو سنوات عشر على الأزمة المالية العالمية منذ آب/ أغسطس 2008. لا يلوح في الأفق أي ملمح يؤذن بتعافي اقتصاد منطقة اليورو من 19 دولة. ولا اقتصاد دول الاتحاد الأوروبي ال 28 إلى حين انسحاب المملكة المتحدة. الناتج المحلي في المجموعة الأولى سجل 0.6 في المئة في الربع الأول 2016. و0.5 في المئة في الاتحاد. المصرف المركزي الأوروبي أبقى على معدلات الفوائد كما هي الخميس الماضي عند قعرها التاريخي. صفر في المئة لقروض المصارف من يوم إلى يوم، (main refinancing operations) و0.25 في المئة لتسهيلات المصارف الحدية marginal lending facility وناقص 0.40 في المئة على ودائع الجهاز المصرفي (deposit facility). رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي قال إن المصرف مستمر في شراء السندات بواقع 80 مليار يورو شهرياً حتى آذار/ مارس 2017. وقد يمدد الفترة المستهدفة لو اقتضت الحاجة إلى حين بلوغ 2 في المئة تضخماً كما تقرر سابقاً. هناك أمر ما ليس معاً في اقتصاد اليورو والاتحاد. كل المال شبه المجاني الذي ضخّه المركزي الأوروبي لم يحرك النمو قيد أنملة عمّا كان عليه قبل 2008. ولا خفض الضرائب أثمر. ولا شراء السندات الحكومية وسندات الشركات الصلبة فعل. قد تتجاوز السيولة التي ضخها المصرف المركزي الأوروبي في 2016 تريليوني يورو. والسيولة المماثلة من مصرف إنجلترا 500 مليار استرليني. لم يتحرك الطلب الكلي في الاقتصادات. الداخلي منه المتصل باستهلاك الأسر الذي يحفزه تراجع الفوائد التجارية والتضخم بقي ضعيفاً. رغم الأدوات الواسعة التي توفرها المصارف للمستهلك لزيادة القروض الشخصية والاستهلاكية. نفهم أن دولاً في منطقة اليورو والاتحاد جمّدت الأجور بما يحد من حصة الدخل القابل للتصرف. لكن الطلب الاستثماري المهم أيضاً بقي فاتراً. دليله عدم تحرك فرص العمل الجديدة. وثبات البطالة في منطقة اليورو عند 10.1 في المئة. وفوق 8 في المئة في دول الاتحاد. وجاء استفتاء خروج المملكة المتحدة من الاتحاد، والأزمة المصرفية في إيطاليا بمزيد من التعقيدات. بصراحة، لم أفهم ما قصده دراغي في مؤتمره الصحفي بعد قرار المركزي تثبيت الفوائد على ما هي ، حين قال إن انعكاسات خروج المملكة المتحدة لم يكن في مستوى السوء الذي توقعنا. ومستعدون للتعامل مع الوضع. لكن يتوقف ذلك على فترة المفاوضات التي تسبق مغادرتها الاتحاد. لم يجب دراغي عن سؤال يتصل بما إذا كان المركزي الأوروبي سيتولى كل عمليات المقاصة على المعاملات المالية الوسيطة بعد خروج المملكة المتحدة. الدور الذي كانت تقوم به سوق لندن وهي خارج منطقة اليورو، ويفترض أنه منوط بالمصرف المركزي الأوروبي حصراً. يشار إلى أن محاولة الأخير استرداد هذا الدور من لندن توقف عند قرار بالنقض من محكمة الاتحاد الأوروبي. بيد أن تجاهل السؤال قد يكون مرتبطاً بالمنافسة الشديدة بين فرانكفورت وباريس للحلول محل سوق لندن. بافتراض صحة ذلك، إنما ينم عن فتور الإرادة الصلبة لكل من ألمانيا وفرنسا تجاه العمل المؤسسي الاتحادي لحساب الوطنية في دولتين تعتبران حاضنة الاتحادين النقدي والأوروبي. دراغي الذي شغل رئاسة المصرف المركزي الإيطالي والمدير العام السابق لوزارة الخزانة الإيطالية قبل رئاسته المركزي الأوروبي قال إن خطوات في الاتجاه الصحيح اتخذت في شأن المصارف الأوروبية المعسرة. لم يوضح طبيعتها. وهناك أخرى في الطريق يجب اتخاذها. علماً أن قواعد اليورو والاتحاد الأوروبي بعد عمليات إنقاذ للمصارف الأوروبية التي حصلت سابقاً، تمنع تحميل مكلفي الضريبة من جديد تكلفة أي إنقاذ. وتقضي القواعد تلك بأن يتحمّل التكلفة المساهمون والدائنون (أصحاب الودائع) في المقام الأول. يليهم حملة السندات الصادرة عن المصرف المعني. مع أن دراغي لحظ عدم قدرة المساهمين على رفع إسهامهم لتغطية خسائر وقت لا تحقق المصارف أرباحاً ذات شأن. وهذا قد يؤثر في استقرار الأسواق المالية كما أضاف. هل بلغت أوروبا اتحاداً ومنطقة يورو إلى حد تغيير المبادئ الاقتصادية المتعارف عليها؟ التريليونات الهائمة في الفضاء لم تؤت نمواً. ولم تحرك التضخم والطلب الاستثماري والاستهلاكي. تراجع اليورو نحو 28 في المئة على الدولار الأمريكي منذ 2008 لم يحفز الصادرات. الأسواق المالية التي يسعدها خفض الفوائد وانسياب السيولة كأنها تخفي مخاطر أكثر مما ظهر حتى الآن. تسليفات المصارف الأوروبية لا تقارن بحجم السيولة المتاحة. لو سلّمنا جدلاً بأن جزءاً كبيراً منها كان لتغطية ديون حكومية وشركات، يفترض أن تظهر السيولة في الأمكنة الأخرى من الاقتصادات والأسواق وقطاع الاستهلاك. هل ازداد الادخار؟ عند العامة لا. الدخول لم تعد تفي بمستوى المعيشة ما قبل 2008. وعند أسماك القرش الكبار لا ادخار بفوائد تجارية قريبة من الصفر. أين ذهبت التريليونات؟
مشاركة :