إثر فشله في إقناع البريطانيين بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوربي ،تقدم ديفيد كاميرون باستقالته من رئاسة الوزراء ،وهو أمر عادي في الغرب ،ولكن المدهش تداول وسائل التواصل الاجتماعي مشهد خطبة وداعية بمجلس العموم ثم صوره يحمل فيها أغراضه خارج (تين داوننج ستريت)، فقد صار مواطناً عادياً كسائر خلق الله .وفي الحقيقة أثَّر المشهد في المتداولين وكأنهم يقولون ليت كل صاحب معالي يظهر هذه الروح ليؤكد أنه خادم الشعب وأن الوظيفة العامة مهما كان موقعها هي تكليف لا تشريف ، إنها تكليف بخدمة الوطن والمواطن. والخدمة تشرف صاحب الموقع لأنه خدم من خلالها بلاده ومواطنيه. لاشك أن الصورة تغني عن مقال وخاصة حين تروج لها وسائل إعلام غربية محترفة وليست بريئة ،فهناك لجان تقف خلفها لخدمة أهداف معينة،ومن المؤكد أن قنوات فضائية تدعي الاستقلالية تفضح نفسها بمساندتها لأهداف من يمولها ويشمل ذلك (سي إن إن) و(بي بي سي) وروسيا اليوم ،ودائماً تقدم صور عن الوزراء وعن أساليبهم وليس ثمة غرابة لأنه توجد مؤسسات ومعاهد تقف خلف تلك الأهداف لتكريس هذه التوجهات أو تعدل صورة أو تؤثر في ثقافة بعينها بل إن هناك مؤتمرات يمولها القطاع العام لتعزيز فكرة الاستقالة. والسؤال الذي يطرح نفسه كيف ننتقل بسلوكنا وممارساتنا لمربع يصبح المسئول نموذجاً يحتذى في التعامل مع الوظيفة العامة، ويدرك أنه إنما وجد لخدمة المواطن وأن تلك الخدمة تصب تلقائياً في خدمة الأهداف الوطنية علما بأن الوظيفة العامة في تراثنا القديم لها ممارسات سبقت الثقافة الغربية، ولكن العبور للأصول سيستغرق عقوداً إن لم يكن أجيالاً إلا إن توفرت خطة وتمويل من القطاع العام لتعديل ثقافة الموظف العام سواء كان وزيراً أو وكيلاً أو في درجة أقل، وبدون التخطيط فإن الآية ستظل معكوسة وسنظل نتابع مفارقات وسائل التواصل ،ولهذا فالحديث عن صاحب المعالي ليس ترفاً، إنه نوع من تشجيع الاستثمار في المواكبة والالتحاق بالعصر ،وبحمد الله لدينا مؤسسات أكاديمية ومبادرات وقفية يمكن أن تشجع تنمية هذه الثقافة ،ولهذا دعم الصناديق الوقفية بجامعة المؤسس بجدة أو جامعة الملك فهد أو غيرهما استثمار في ثقافة تشجع أبحاث مواكبة تطورات الزمان والمكان، ويتطلع للقطاع العام بوضع يده في يد الجهات المهتمة بتشجيع البحث العلمي في هذه المجالات وغيرها وبما يصوب ثقافة الفرد وما يعزز هذه المعاني .
مشاركة :