معظم المبادرات مجرد عبارات | أحمد عبد الرحمن العرفج

  • 7/25/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

المُجتَمَعَاتُ الحَيَّةُ تُنقدُ نَفسَهَا باستمرَارٍ، وتُعيدُ النَّظَرَ في أعمَالِهَا، وأفكَارِهَا، وإنتَاجِهَا، وحتَّى أسلُوب حيَاتِهَا.. مِن هَذَا البَابِ سأدخُلُ عَلى مَقالِ اليَوم؛ حَولَ المُبَادرَاتِ التِي كَثُرتْ وعَمَّتْ حَتَّى طَمَّتْ..! في كُلِّ يَومٍ، تَصلنِي تَقريبًا مُبادرتَانِ، أو ثَلاثٌ مِن هُنَا وهُنَاك، مُطالِبَةً بالدَّعمِ والمُسَاندةِ، وهي مُبَادرَاتٌ تَتوفَّرُ فِيهَا سَلامةُ النيَّةِ، وتَغيبُ عَنهَا الرُّؤيةُ، وطَريقةُ التَّنفيذِ، ودَيمومةُ الفِكرَةِ، وعَوامِلُ نَجَاحِهَا.. إنَّهَا مُبادرَاتٌ تَخدمُ -في الغَالِبِ- أصحَابَهَا، أكثَرَ ممَّا تَخدمُ المُجتَمَعَ، وحَتَّى نَكونَ أَكثَرَ دِقَّةً، دَعونَا نُعْطِ أَمثِلَةً: هُنَاك عَشرَاتُ المُبَادرَاتِ حَولَ مَرضَى السَّرطَانِ، والغَريبُ أنَّهُ كُلَّمَا زَادَت المُبَادرَاتُ، زَادَت نِسبةُ مَرضَى السَّرطَانِ، لأنَّ هَذِه المُبَادرَاتِ أَشبَهُ بالفِشَارِ، الذِي تَصلَاهُ النَّارُ فيَنتفشُ انتفَاشَةً؛ لَا تُسمنُ، ولَا تُغنِي مِن جوعٍ، وأَغلَبُ المُبَادرَاتِ -مَثلاً- يَتّفقُ اثنَانِ أَو ثَلاثةُ أشخَاصٍ؛ لإطلَاقِ حَملةٍ، أو مُبَادرةٍ، خَاليةٍ مِن الرُّؤيةِ، والعُمقِ، والاستمرَارِ، وطَريقةِ التَّنفيذِ، ثُمَّ يُرسلُونَ خَبرَ المُبَادرَةِ إلَى الصُّحفِ، ويُطلقُونَ هَاشتَاقًا، أو وَسْمًا -كَمَا يَقولُ أَهلُ الفُصحَى- ويَطلبُونَ مِن مَشَاهيرِ «تويتر» الدَّعمَ، وتَستمرُ هَذِه الحَفلَةُ لمُدَّةِ ثَلاثة، أَو أَربعَة أيَّامٍ، ثُمَّ يَذهبُ أصحَابُ المُبَادرةِ إلَى بيوتِهِم، ويَغطُّونَ في سَباتٍ عَميقٍ، ويَدخلُونَ في بيَاتٍ شتويٍّ لَا آخرَ لَهُ..! لقَد وَصلتنِي -مُؤخَّرًا- عَشرَاتُ المُبَادرَاتِ مِنهَا: مُبَادرةُ تَنظيفِ البَحرِ، ومُبَادرةُ إزَالةِ القططِ الميِّتةِ مِن شَوارعِ وأَزقَّةِ جُدَّةِ، ومُبَادرةُ مُكَافحةِ الفِئرانِ والجِرذَانِ في جُدَّة، وهَذِه المُبَادَرَاتُ -كَمَا تُشاهدُونَ- تَتَّسمُ بالتَّفكيرِ الفَرديِّ، والهمُومِ الشَّخصيَّةِ، ومِثلُ هَذِه المُبَادراتِ تُطلَقُ ويَتمُّ تَلميعُ أَصحَابِهَا، وبَعدَ أَشهُرٍ، تَجدْهُم قَدْ اختَفُوا، وكأنَّ شَيئًا لَمْ يَكنْ..! حَسنًا.. مَاذا بَقِي؟! بَقِيَ التَّأكيدُ عَلَى أنَّ ثَقَافةَ المُبادرَاتِ والحَملَاتِ؛ يَجبُ أَنْ تَلتزمَ بشرُوطِهَا الاجتمَاعيَّةِ، والثَّقافيَّةِ والتَّنفيذيَّةِ، حَتَّى لَا نَجدَ أَنفسنَا يَومًا، مُجتَمعًا يُنتجُ مُبَادرِينَ بِلَا مُبادرَاتٍ، وأفكَارًا بلَا تَنفيذٍ، ولا استمرَارٍ، خَاصَّةً ونَحنُ مُجتمعَاتٌ؛ لَا تُتقنُ ثَقَافةَ التطوُّعِ، مَع أنَّهَا مَليئةٌ بأنَاسٍ «مُطَاوِعةٍ»..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com

مشاركة :