مكة وشرف المكان | بكري معتوق عساس

  • 7/26/2016
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

قال سبحانه: ((وربك يخلق مايشاء ويختار)). وقال تعالى: ((الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس)). فهو يصطفي ما أراد سبحانه من المخلوقاتِ، والأزمنةِ، والأمكنةِ. فقد اصطفى من البشرِ الأنبياءَ، ومن الأيامِ الجمعةَ للأسبوعِ، وعرفةَ للعامِ، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور رمضانَ. ومن تتبعَ ما في كتابِ الله من مشتقاتِ (الاصطفاء) و(الاختيار) ظهر له هذا المعنى واضحاً. ومما اصطفاه الله سبحانه من الأمكنةِ هذه المدينةُ المقدسةُ (مكةُ المكرمةُ)، فجعل لها من خصوصية المكانِ وشرفه مالا تنافسها فيه مدينةٌ أخرى في العالم. فمن خصوصية مكة المكانية أنها موضعُ أولِ بيتٍ وضع للناسِ، ((إنَّ أول بيتٍ وضع للناسِ للذي ببكةَ مباركاً))، وقد كان وضعُهُ قبل بيتِ المقدس بأربعين عاماً كما جاء في الصحيح. وقد حدّد هذا الموضعَ ربُّنا جل جلالُهُ، فلم يكل ذلك إلى ملكٍ ولا إلى نبيٍّ: ((وإذْ بوأنا لإبراهيم مكان البيتِ)). وبذلك أصبحتْ مكةُ المكان الوحيد على هذه الأرض الذي يتوجه إليه المسلمون بأمرِ اللهِ خمسَ مراتٍ على الأقلّ في كل يوم حيثما كانوا: ((وحيثُ ما كنتم فولوا وجوهكم شطره)). ومن خصوصيتها المكانيةِ أنَّ الله أقسمَ بها في موضعين من كتابه: ((وهذا البلد الأمين))، ((لا أقسم بهذا البلد))، وما أقسم الله ببلدةٍ معمورةٍ على الأرض مرتينِ غيرها. ومن خصوصيتها المكانية أنها البقعةُ التي أسري منها بالنبي صلى الله عليه وسلم (سُبْحان الذي أَسْرَى بِعَبْدِه ليلاً مِنَ المَسْجِدِ الحَرام إلى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وهي كذلك البلدةُ الوحيدةُ التي يؤدى فيها الركنُ الخامسُ من أركان الإسلامِ : (الحجّ). والبلدةُ الوحيدةُ التي تفجّر فيها ماءُ زمزمَ. والبلدةُ الوحيدةُ التي تعدلُ صلاتُها مئةَ ألفِ صلاةٍ في غيرها! أيْ أنَّ غير المكيّ يحتاج إلى خمسٍ وخمسين سنةً لتكافئ صلاتُهُ صلاةً واحدةً للمكيِّ في حدودِ الحرمِ. والبلدةُ الوحيدةُ التي خصّها أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلامُ بالدعاءِ بالأمنِ وبركةِ الرزق وحبّ الخلقِ. وزدْ على ذلك كلِّهِ أنها المدينةُ الوحيدةُ التي وصفَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أهلها بأنهم أهلُ الله، كما جاء في وصيتِهِ لعتّابِ بنِ أُسيد. وأهم من كل ما سبق تشريفاً لهذا المكان أن الله سبحانه نسَبَ (بيتَها) إليه: ((وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود)). وكفى بذلك شرفاً ومكانةً. ولأجل كل ذلك الشرف المكانيّ تعلقت أفئدة المسلمين بها، وأحبّوا العود إليها مهما لاقوا من مشاقّ : ((وإذْ جعلنا البيتَ مثابةً للناسِ))، أي: يثوبون إليه حيناً بعد حين. فالحمدلله على نعمة الجوار.

مشاركة :