بعد تقديمه لنحو 25 فيلماً، لامس فيها واقع ملايين البسطاء والفقراء، ترجل المخرج محمد خان، أمس، عن حصانه السينمائي، تاركاً خلف ظهره أعمالاً لا يزال بعضها يتربع على واجهة كلاسيكيات السينما العربية، لتظل أحلام هند وكاميليا معلقة في ذاكرة عشاق خان الذي رحل عن دنيانا دون سابق إنذار بمستشفى في القاهرة.. ولتظل فتاة المصنع تحلم بذلك اليوم الذي يخلصها من حالة الفقر الذي ولدت فيه. لم ينتظر خان رائد السينما الواقعية، أن يبدأ الصيف بكل زحمته وسفرياته، ليقدم عملاً جديداً، يجد له مكاناً على شباك تذاكر الصالات ليخلف ما قبل زحمة الصيف، رحل خان الذي اعتاد صناعة النجوم عبر أفلامه التي أسس عبر نصوصها وأحداثها مكاناً للسينما الواقعية في العالم العربي، والتي كان هو أحد أبرز روادها في السينما المصرية بجانب زملائه عاطف الطيب وخيري بشارة. خان ترك شقة مصر الجديدة ليرحل عنا إثر أزمة صحية طارئة داهمته، أمس، شكّلت سبباً بوفاته عن عمر يناهز الـ 74، ظل وفياً للسينما حتى رمقه الأخير، فهو من الذين لم يحيدوا عن خطهم السينمائي، فظلت أفلامه قريبة من البسطاء الذين لامس واقعهم في أحلام هند وكاميليا وزوجة رجل مهم ذاك الفيلم الذي لعب بطولته الراحل أحمد زكي وميرفت أمين.. ليحتل به مكانة بارزة في تاريخ السينما المصرية، ففيه وثق خان حدثا سياسيا مهما هو الانتفاضة التي شهدتها مصر بمنتصف عصر السادات، الرئيس الذي تناول ملامح حياته الرئيسية في أيام السادات ليعتبر ذلك وثيقة مهمة جسدها أحمد زكي، بدأها خان منذ بدء اشتغال السادات بالسياسة وحتى اغتياله في 1981. فيما لم تغب هموم البسطاء عن الحريف الذي عبر فيه من خلال فارس (الممثل عادل إمام) عن الطبقة المصرية العادية التي تبحث عن لقمة عيشها، وليتعرض فيه لعملية التغيير التي تصيب الناس وتجبرهم على التخلي عن أحلامهم، ففي هذا الفيلم يقرر فارس ترك لعب كرة الشراب والعمل مع شعبان في التهريب، ليخبر ابن عمه بأن (كلنا غلابة يا محسن). ضربة شمس ولع خان بالسينما بدأ في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، فقد كان بيته بحي السكاكيني الشعبي بالقاهرة مجاوراً لإحدى صالات السينما التي كان يرى مقاعدها وليس شاشتها بسبب طفولته، ورغم شغفه الطفولي بالسينما إلا أنها لم تشغله كثيرا . فقد كان يرغب بأن يكون مهندساً معمارياً، المهنة التي سافر لأجلها للندن، المدينة التي حولت مسار حياته ليكون الإخراج السينمائي وجهته الجديدة بعد أن قصد مدرسة الفنون، ليعود لموطنه مصر لممارسة لعبة الإخراج ويكون باكورة أفلامه الطويلة ضربة شمس. جواز سفر ابن السينما المصرية، ظل بلا جواز سفر وجنسيه مصرية، حتى عامين من وفاته، ليكون حصوله على الجنسية بمثابة إنجاز هلل له صناع السينما. خان لم يكن بحاجة إلى ذلك الجواز فقد استعاض عنه بـ 25 عملاً سينمائياً ظلت تقدمه على أنه مصري، فهو الذي ولد في القاهرة عام 1942 لأم مصرية وأب باكستاني، وعاش في أحيائها الشعبية التي اقتراب فيها من هموم بسطاء المجتمع. جرأة الحريف خان رحل ولا يزال يحمل بداخله روح الشباب، تلك التي ترجمها في عموم أفلامه، فهو المتمرد والمبدع والمكبوت والمتفائل، وعاش محاولاً تحطيم التابوهات التي حُرمت السينما مرات من ولوجها، والتي حطمها عبر تنهيدة عادل إمام في الحريف، وغطرسة أحمد زكي في زوجة رجل مهم، وجرأة هنا شيحة في قبل زحمة الصيف الذي عرضه في دورة مهرجان دبي السينمائي الأخيرة. وداعًا محمد خان مخرج السينما الواقعية الذي لمست أعماله قلوب الملايين، وعكست حياتهم وواقعهم. أعماله باقية في الذاكرة، تغريدة أطلقها مهرجان دبي السينمائي الدولي، عبر حسابه على تويتر، لا سيما وأن خان عرف طوال الوقت بأنه صديق دبي السينمائي، حيث كان حريصاً طوال الوقت على التواجد في أروقته وأنشطته، سواء كان مشاركاً فيه أم لا. ألم الوداع ألم الوداع والفقدان لخان بان واضحاً في كلمات النقاد الذين استطلعتهم البيان، حيث قال الناقد بشار إبراهيم: لم تكتمل الدورة عاماً منذ أن حضر المخرج محمد خان برفقة فيلمه قبل زحمة الصيف للمشاركة في مسابقة المهر الطويل في الدورة الـ 12 لمهرجان دبي السينمائي الدولي. كان خان عامر البهجة والألق والشباب، وهو الذي رسّخ صورته الفريدة في أذهان مجايليه من رواد سينما الواقعية المصرية أمثال خيري بشارة وداود عبد السيد، تماماً كما رسمها في أجيال متتالية من السينمائيين الشباب. حتى وهو يبحر في سبعينيات العمر، لم يفقد خان حماسته ومبادرته وجرأته في التجديد والتطوير. قبل سنتين حضر برفقة فتاة المصنع، وحتى يوم أمس كان يحدثنا عن مشروعه الجديد. لم يفكر أبداً في التوقّف أو الاستراحة، إذ طالما كانت السينما لديه أسلوب حياة. وعندما آلمه وركه بادر للتدرب على مسند التحرك حتى لا يعيقه شيء عن الدخول في تصوير جديده. إن كان لنا أن نشير إلى رائد السينما الواقعية، في السينما المصرية، في جيل ما بعد صلاح أبو سيف، فلا شك أن خان هو الأجدر بهذا اللقب. خان الذي وضع توقيعه على زوجة رجل مهم، والحريف، وأحلام هند وكاميليا، وموعد على العشاء وكثير غيرها، ومن طرازها، كان مبدعاً متعدداً، من طراز عالي الثقافة، يندر أمثاله في الوسط السينمائي العربي. أما الناقد زياد عبد الله، فقال:قد يقود الحديث عن المخرج محمد خان نحو الواقعية المصرية واتصالها بجيل سينمائي مصري من المخرجين وجدوا في الواقع والبنية الفيلمية المتقشفة مساحة للسرد والحكايات القادمة من القاع والهامش في تعرية للواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولعل محمد خان كان من أبرزهم.. لكن في حضور هام واستثنائي للمرأة في أفلامه وما يترصدها في مجتمع يحصي عليها أنفاسها، وتقديم صراعها المرّ مع المجتمع من وجهة نظرها ولعل إيراد عناوين مثل موعد على العشاء وزوجة رجل مهم وأحلام هند وكاميليا وفتاة المصنع وغيرها تضعنا أمام سجل خيبات المرأة المصرية - العربية وصراعاتها التي تزداد وعورة مع كل فيلم من أفلامه. مواقع التواصل الاجتماعي دفتر عزاء حالة حزن شديدة أصابت رواد مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت إلى دفتر عزاء، نعى فيها الجميع خان، منهم طارق لطفي الذي قال: وداعاً الأستاذ العظيم العبقري محمد خان، من أثرى وجداننا بـأحلام هند وكاميليا صغاراً وأخبرنا عن أيام السادات شباباً ورحل في هدوء قبل زحمة الصيف، وقال محمد حفظي: كان أكثر حاجة خان نفسه يفعلها أنه يفضل يشتغل ويخرج أفلام. رحيله هيبقى صعب علينا لكن هيفضل عايش من خلال أفلامه ومن خلال روحه في أفلام الشباب اللي ألهمهم. أما إياد نصار فقال: البقاء لله في وفاة المخرج محمد خان، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. وقال محمد دياب: أنا فاكر اللحظة اللي قررت فيها أني أخرج كنت قريت إنترفيو محمد خان، بيقول فيه إن كل إنسان من حقه يخرج لأن كل واحد شايف الدنيا بطريقته. وقدمت السفارة البريطانية بمصر نعياً عبر تويتر قالت فيه: تنعى السفارة البريطانية والعاملون فيها المخرج محمد خان. يرحل المبدعون ولكن تظل أعمالهم خالدة. القاهرة ــ البيان 1979 خلال مسيرته، حصل محمد خان على جوائز كثيرة، أولها كانت خلال مهرجان الاسكندرية الدولي عام 1979، الذي حصل فيه على جائزة تقدير ذهبية عن فيلمه ضربة شمس، فيما حصل طائر على الطريق على جائزة لجنة تحكيم مهرجان القارات الثلاث بفرنسا عام 1981، وجائزة التقدير الذهبية من الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما عام 1981.. بالإضافة إلى الجائزة الأولى في ليالي الإسكندرية السينمائية. أما فيلمه نص أرنب فقد حصل في عام 1982 على الجائزة الأولى في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي مناصفة مع فيلم العار، كما حصل على جائزة أفضل إخراج لفيلم الحريف من جمعية الفيلم، وفي عام 1984 حصل فيلم خرج ولم يعد على جائزة التانيت الفضى. أما فيلم في شقة مصر الجديدة فقد حصد جائزة أفضل فيلم عربى فى مهرجان دمشق السينمائى 2007، وشارك في مهرجان دبي السينمائي 2007، ومهرجاني بالم سبرينجز وسان رفايل في الولايات المتحدة عام 2008. كتب مخرج على الطريق لم يكن خان مخرجاً سينمائياً فقط، وإنما كان مؤلفاً، حيث أطلق قبل رحيله في معرض أبوظبي للكتاب، الطبعة الثانية من كتاب مخرج على الطريق، الذي قدم فيه خلاصة وحصاداً لتجربة عريضة وممتدة مع فن السينما، حيث يعتبر الكتاب الذي يقترب من 600 صفحة، درساً عملياً لكافة عشاق السينما، والراغبين بمعرفة ما وراء كواليس أفلامه، وتجربته مع السينما. الكتاب قدم خلاصة لمشوار خان الطويل مع السينما، والذي قضاه عشقاً وصناعة وإخراجاً، نثر فيه مقالاته التي تناول فيها هموم وأوجاع السينما، وبعضاً من ذكرياته التي سجلها على مدار اكثر من 25 عاماً على أوراق الصحف العربية مثل القبس والحياة والتحريروغيرها. الشخصيات والتفاصيل الصغيرة يقول مؤلف الكتاب حسن حداد في معرض تقديمه لكتابهمحمد خان: سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة:محمد خان هو أحد أبرز الذين جددوا وغيروا في السينما المصرية، فهو يعيش في بحث دائم عن إطار وشكل جديد لأفلامه، يميزها عن بقية ما أنتجته وتنتجه السينما السائدة. الكتاب اشتمل على قسمين أساسيين، الأول استعرض فيه حداد نحو 17 فيلماً لخان، مقدماً عنها ملخصاً لموضوعاتها بشكل متتابع، وبحسب التسلسل الزمني، منذ أول أفلامهضربة شمسوحتى أيام الساداتبما مجموعه 17 فيلماً سينمائياً. أما في القسم الثاني فيقدم تحليلاً فنياً وتقنياً لسينما خان. كما يحتوي الكتاب على ملاحق تتضمن معلومات عن المخرج وعن الجوائز التي حصل عليها، وفيلموغرافيا لإنتاجه. سينما محمد خان لم ينتظر المخرج خان ليرى لحظات تكريمه في دورة مهرجان القاهرة السينمائي المقبلة والمقررة في نوفمبر المقبل، وليشهد أصداء اطلاق كتاب سينما محمد خان الذي ألفه الكاتب الصحفي محمود عبدالشكور الذي قال عنه:كنت قد بدأت منذ فترة في إعادة مشاهدة كل أفلام محمد خان وهي، 24 فيلماً روائياً طويلاً، وفيلم روائي قصير بعنوان البطيخة. واستلزم الأمر تفريغا تفصيليا لتتابع المشاهد لكل فيلم، مع تسجيل لديكوباج تقطيع مشاهد بعينها تستحق التحليل كالمشهد الأخير من فيلم سوبر ماركت، والتوقف لرسم بعض الكادرات على الورق لتحليل تكوينات الصورة، كل ذلك شكّل مادة أولية ضخمة جدا عملت عليها للكتابة عن معالم سينما محمد خان، ولتحديد سمات أسلوبه، وملامح عالمه الخاص ومفاتيحه، مع التحليل الشامل لكل فيلم من أفلامه. في الذاكرة
مشاركة :