من واقع مجريات الأحداث فإن من لم يكن له اهتمامات بالسياسة سيجد نفسه داخل إطار صورة تمتد لتدخله ضمنها، ليبدو الأمر وكأننا في صورة بشرية واسعة لا تستثني أحدا، حتى تلك المسنة العراقية التي تتمسك بيديها المتعبتين اللتين أرهقتهما سنوات العمر الطويلة بشاحنة مواد غذائية بحثا عما يسد الرمق، وتلك الصورة فازت بجائزة عالمية رغم أنه لا يبدو منها شيء غير يديها الاثنتين وباب الشاحنة الذي لا يزال مغلقا، ولكن الدلالة أنها تتمسك بالأمل في أن تحظى بنصيب مما بداخلها. تلك المرأة ليست بالضرورة أن تكون سياسية ولكنها غصبا عنها أصبحت جزءا من بانوراما تنتهي بنا الى وقائع في غاية المأساوية التي تكتب تراجيديا الصراعات بمداد الدم، ولذلك لربما نعيش تلك الحالة التي تتعارض فيها الإنسانية مع الميكانيزمات السياسية التي تنتج ما نراه ونشاهده ونقرؤه ونسمعه، فالسياسة في أبسط معانيها تعني تدبير شؤون الناس، فإن حدث خطأ تداعت عنه كوارث ودم وقتل، وإن حدث ما هو صحيح أمن الناس واستقام حالهم وحققوا تنميتهم، والمسار الذي ينتهي بالأخطاء السياسية يتعلق بصورة قاطعة بأي حد أدنى من الاستبداد والشمولية يمكن أن يمارسه نظام حكم من الأنظمة المتعارف عليها سياسيا في وسطه الوطني. السياسة فن الممكن وينبغي أن تنتهي بالأوطان والمجتمعات الى خيرها ورفاهيتها وتنميتها، وحين نراقب ما يحدث في أكثر من بلد ننتهي الى تلك الحدود المتبانية من الدكتاتورية والشمولية التي تعصف بالحقوق الإنسانية وتحيّد المواطن من العملية التنموية والمساهمة الفاعلة في البناء، لذلك يبدو أن أفضل ما أنتجته الأفكار السياسية المعاصرة هو الديموقراطية التي يمكنها أن تعالج كثيرا من الأزمات والاختناقات لسبب بسيط وهو أن كل أطرافها يصبحون مسؤولين عن النجاح والفشل ولا يتحمل ذلك طرف السلطة فقط الذي يمكنه أن يستبد هربا الى الأمام من الأخطاء، وعمليا فإن نجاح مثل هذه التجربة لا بد له من وعي سياسي أصبح أيضا واقعا لأنه لا يمكن لفرد أن يهرب أو يرفض المتابعة السياسية التي تتعلق بمصالحه، فالسياسة تظهر عبر كثير من النوافذ الإعلامية وفي المجالس وكل ما هو تفاعلي وتلقي بظلالها على كثير من التفاصيل حتى في اقتصاديات الناس، وليس من سبيل أفضل من أن يكونوا جزءا من تلك العملية بالمشاركة بالرأي والجهد والفكر والرأي وتحمل المسؤولية، وليس من ممارسة أفضل من أن تتشارك السلطة الممارسة التنفيذية مع الشعب ليقوم بدوره بصورة أكثر فعالية وحماية للحاضر والمستقبل.
مشاركة :