«الفرح لايملك براهينه، بينما الحزن يملك الكثير منها، ونتيجة ذلك يكون الحزن فظيعا إلى درجة أنّه من الصعب الشّفاء منه» هذا مايعتقده إميل سيوران، الفيلسوف والكاتب الروماني عن الضدّين الفرح والحزن؛ وإن كنت اختلف في تضادهما، إلاّ أني اتفق في أن الحزن يملك أسراراً ومفاتيح يستحيل الوصول لها بغير حزن أصيل. لست ضد الفرح؛ إنما ضد النفور من غياب الفرح واعتبار ذلك سواداً قاتماً، أن ذلك يعكر صفونا. بين غياب الفرح والحزن، تقف شعرة معاوية وكثيراً ما نعتبر غياب الفرح حزناً. هنا يجدر أن نذكر أن الحزن يختلف جذرياً عن الاكتئاب، الحزن الذي أعنيه يشبه وقار دعاء الأمهات. الحزن المدفوع بندم ليس حزناً. هناك حزن يتجلى بك، يدفع بك لتعيد النظر بروية وامتعان لترى الوجه الوقور للحياة. يجب أن نتصالح مع غياب الفرح كشعور وأن لا نرفضه بسبب الدوافع. الحزن أن يموت من يهمك فتحزن،أن تخسر صفقة فتحزن، أن تفقد حبيباً، كل هذا طبيعي حدوثه لنا كبشر. لكن في مرحلة ما، وبعد تراكم المعاناة، يكون لغياب الفرح نكهة مختلفة، تصعد بنا لنكون أكثر نقاء ونتخلص من المشاعر البشرية السيئة، مثل الطمع والغرور والاستعلاء والرغبة الجامحة في الارتقاء في سلم الطبقات الاجتماعية دون النظر على أي كتف دسنا أو أي قلبٍ كسرنا. إذا غاب الفرح فانطلق ولا تقف منتظراً عودته، تأمل وشاهد وانظر بعينك الهادئة إلى كل ما اعتادته عينك، ستجد أن كل الأشياء تختلف وتكتسب الهدوء والسلام. من قال (لاتحزن) ومن دعى لبهرجة المشاعر ورقصات الفرح المستمرة والدعوة إلى أن تكون الحياة كرنفالاً دائماً. من حذر ونادى بالهرب والهلع من الحزن، فهو لا يعرف أن على الضفة الأخرى من بحره المشتعل يوجد سرّ من أسرار السلام الداخلي. الفرح والحزن ليسا أضداداً، هما رفيقان يشترك كل منهم في صياغة نظرتنا للحياة وكيف نستمتع بها ونعيشها بروية وتأمل أكثر؛ وبينهما تقف مرحلة غياب الفرح. هذه دعوة لأن نخلع الحدود الفاصلة بين الفرح والحزن؛ لأن المشاعر جزر ومد، أن نعيش الحياة أحراراً باحثين عن أسرارها مستمتعين بكل لحظاتها وبطبيعتنا. عشها بكل التفاصيل، لا تمر عابراً بالحزن ولا تجهد نفسك محاولاً إضفاء البهجة. البهجة المصطنعة المخطط لها مسبقاً لتفادي مشاعر الحزن ليست بهجة إنما مسكن مؤقت عن المهمة الصعبة وهي التأمل بعمق.
مشاركة :