فاز الروائي التونسي حسونة المصباحي بجائزة «محمد زفزاف للرواية العربية» في دورتها السادسة وهي من الجوائز العربية والمغربية المهمة ويمنحها منتدى أصيلة. وبفوزه انضم المصباحي إلى لائحة أسماء كبيرة فازت بالجائزة من أمثال: الطيب صالح، إبراهيم الكوني، مبارك ربيع، حنا مينة، سحر خليفة... وفي المناسبة أصدر المنتدى كتاباً عن الفائز بعنوان «حسونة المصباحي: سردية الهامش والمنـــفى» أعده الناقد المغربي شرف الــــدين ماجدولين ويضم دراسات ومقالات في أعمال المصباحي. وكتب الناقد شرف الدين ماجدولين يقدم الفائز: منذ إحداث مؤسسة منتدى أصيلة عام 2002 جائزة «محمد زفزاف للرواية العربية» شهد موسم أصيلة الثقافي الدولي احتفاءً بأسماء روائية عربية رائدة، ممن توجت أعمالهم بالجائزة التي حملت اسم روائي بارز، نهض بدور جوهري، في الثقافة المغربية، لأجل ترسيخ فن الرواية الذي أضحى اليوم التعبير الأدبي الأكثر هيمنة على المشهد الثقافي العربي. وكانت لجان التحكيم المتعاقبة منحت الجائزة لكل من: الطيب صالح، إبراهيم الكوني، مبارك ربيع، حنا مينة، سحر خليفة، وهي أسماء تنتمي إلى أجيال وتجارب سردية مختلفة، وإلى بلدان عربية تغطي المشرق والمغرب العربيين. وإذا كان اختيار لجنة التحكيم لهذه السنة منح «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية» للروائي التونسي حسونة المصباحي، فنظراً إلى ما تمثله كتاباته من تجربة فنية استثنائية، وحساسية سردية فريدة في حقل الكتابة الروائية العربية؛ ذلك أنه آن الأوان للخروج من الجيل «المؤسس» و«المكرس»، إلى المنجزات الروائية الراهنة بشتى منازعها، بما تمثله من قيمة في تجذير تداول الرواية وتعميق أثرها لدى القارئ العربي بصرف النظر عن شروط الريادة. من هذا المنطلق تحديداً، تمثل تجربة حسونة المصباحي رصيداً جمالياً وموضوعياً جديداً في الرواية العربية، بالنظر إلى اتصاله الواضح بعوالم الهامش والاضطهاد والمنفى. وحظي رصيد حسونة المصباحي، بمتابعة القراء والنقاد العرب. وهي الأعمال التي رسمت معالم تخييل روائي فذ في تمثيله للتفاصيل اليومية، ورصده لعوالم الهامشي والمقموع في مجتمع تونسي توالت أعطابه وانتكاساته وتلاحقت خيبات الحداثة فيه، مثلما في محيطه العربي المنذور للتراجعات وتبخر أحلام النهضة. «هربت إلى المنفى ثم عدت إلى منفى تونس» استهل مصباحي كلمته معبراً عن سعادته واعتزازه بالفوز «بهذه الجائزة التي تحمل اسم محمد زفزاف، الكاتب المتميّز الذي كان من ألمع أبناء جيل الستينات، ذلك الجيل الذي لعب دوراً مهماً وأساسياً في تحديث الثقافة المغربية نثراً، وشعراً، ونقداً». وأضاف: «ترك محمد زفزاف قصصاً وروايات أعتبرها شخصياً من أفضل ما كتب في الأدب العربي في هذا المجال خلال النصف الثاني من القرن العشرين. وعلى رغم المصاعب المادية والمعنوية التي واجهها، نذر زفزاف حياته للكتابة فلم يتخل عنها حتى الرمق الأخير من حياته، راسماً صورة حيّة للمغرب المعذب والفقير في أحياء الدار البيضاء الشعبية. وتعرفت إلى زفزاف في أواسط الثمانينات من القرن الماضي، أي في الفترة التي كنت أكثر فيها من التردّد على المغرب للتعرف إلى مناخاته وأجوائه الثقافية والفكرية والفنية. شعرت منذ زيارتي الأولى لهذا البلد في صيف عام 1981، وأنا شبة مفلس، أن مثقفيه يمكن أن يتيحوا لي توسيع آفاقي المعرفية، ويساعدوني على التحليق بعيداً من الفضاء الثقافي التونسي الذي كنت أشعر فيه بالاختناق. لذا كنت رافضاً له كما كان رافضاً لي. ومنذ أول لقاء معه في شقته المتواضعة في حيّ «المعاريف» بالدار البيضاء، ارتبطتّ بعلاقة صداقة متينة مع محمد زفزاف، ومنه تعلمت الكثير سواء في ما يتصل بالأدب المغربي، أو بالأدب العالمي الذي كان يمتلك معرفة واسعة وعميقة به. وعن إشكاليات الكتابة، كان يحلو لي النقاش معه تماماً مثلما هو الحال مع صديقنا المشترك محمد شكري. وكم كان يفتنني تواضع محمد زفزاف، وبساطته، وطيبة قلبه، وسلحفاته التي كانت تقاسمه العيش في تلك الشقة الضيقة المليئة بالكتب والمجلات والقناني الفارغة. ومما قال: «أنا سعيد ومُعتّز أيضاً بهذه الجائزة التي يمنحها منتدى أصيلة. هذا المنتدى الذي دأب منذ نشأته في أواخر السبعينات من القرن الماضي على تكريم المبدعين في مختلف المجالات، عرباً وأجانب بقطع النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم الفكرية والأيديولوجية. ويعود الفضل في كلّ هذا إلى الوزير محمد بن عيسى الذي خدم الثقافة المغربية والعربية على أحسن وأبدع صورة، مقرباً بين المشرق والمغرب، ورابطاً صلات مع مختلف بلدان العالم، وجاعلاً من الثقافة أداة ناجعة للتواصل والحوار والتعارف. وبفضله تحولت أصيلة إلى منارة ثقافية مشعة في زمن عربي تتهدده مرة أخرى ثقافة الموت والكراهية ورفض الآخر قريباً كان أم بعيداً! وأودّ أيضاً أن أعترف بأن هذه الجائزة هي بمثابة الشحنة المعنوية التي أكرّم بها في مرحلة عسيرة تشهد فيها بلادي أوضاعاً خطيرة ومأسوية على المستوى السياسي الإقتصادي والاجتماعي والثقافي. وهذا ما يجعلني أعيش قلقاً دائماً على حاضرها ومستقبلها، خصوصاً بعد أن تكاثرت العصابات والمافيات والملل والنحل التي لا هدف لها غير المزيد من الفوضى، والتخريب، والتسيّب، والهمجية الشعبوية القاتلة والمدمرة للعمران وللدول. فعلى المستوى الثقافي مثلاً، عاد الإقصاء والتهميش بأشكال وطرق أشدّ ضراوة وخشونة من ذي قبل. والممارسون لهما هم الذين ركبوا موجة ما سمي بـ «ثورة الكرامة والحرية»، أو «ثورة الياسمين» ليحكموا سيطرتهم على الحياة الثقافية والفنية في البلاد، مبعدين منها كلّ من عارضهم، وفضح أساليبهم، وجهلهم، وانتهازيتهم، متمسكاً مثلي باستقلاليته، ورافضاً أن تكون الثقافة في خدمة السياسة، وأن تحلّ الشعارات الفارغة محل الأفكار المولّدة والمبتكرة. ورافضاً أيضاً أن يتحول المثقف إلى لعبة في أيدي الأحزاب والتنظيمات الأيديولوجية لتفعل به ما تشاء وما تريد وفق أهوائها وأغراضها الدنيئة في غالب الأحيان. شخصياً عانيت من الإقصاء في عهد بورقيبة. لذلك هربت إلى المنفى لأعيش فيه على مدى عشرين عاماً. وعندما عدت إلى بلادي في صيف عام 2004، ارتعب المثقفون من عودتي. فكما لو أنني عدت لأهددهم في خبزهم اليومي».
مشاركة :