سقط عدد من رجال الأمن شهداء وهم يقومون بواجبهم في التصدي للإرهاب والإرهابيين، ونجحوا أيما نجاح في أداء هذا الواجب على أكمل وجه، بعد أن ضحوا بأنفسهم، وتركوا خلفهم أطفالاً صغاراً، وزوجات شابات، تمتزج في قلوبهم مشاعر الاعتزاز والفخر ببطولة آبائهم وأزواجهم، مع آلام الحزن على الفقد، ودعوات بأن يرزق الله سبحانه وتعالى الشهداء أفضل الجزاء. وتضحيات رجال الأمن ونجاحاتهم في التصدي لآفة الإرهاب ودفع خطرها وإفشال مخططاتها وكذلك آلام أبناء وزوجات وعائلات الشهداء منهم.. تدفعنا للبحث عن كل ما من شأنه ضمان عدم تكرار ما حدث، وما شهدته البلاد من أعمال تخريبية آثمة، لم تزهق أرواح الأبرياء فقط، وتروع الآمنين، بل أساءت إلى صورة الإسلام والمسلمين، أعطى أعداء الدين فرصة لتأكيد مزاعمهم بأن الإسلام دين يدعو إلى العنف، ويحض عليه. والمملكة بقيادتها الرشيدة الراشدة لن تتهاون وتتساهل مع كل من يحاول المساس بأمن البلاد والعباد. وها هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ حفظه الله ـ يؤكّد: "المملكة عاقدة العزم ـ بإذن الله ـ على الضرب بيدٍ من حديد على كل من يستهدف عقول وأفكار وتوجّهات شبابنا الغالي، وعلى المجتمع أن يدرك أنّه شريك مع الدولة في جهودها وسياساتها لمحاربة هذا الفكر الضّال، ونحن في هذا نستهدي بتعاليم ديننا الإسلامي الذي يعصم الدماء والأموال". ويطمئن رجل الأمن الأول نائب خادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن نايف ـ حفظه الله ـ الأمة جميعاً أنّ أمن بلاد الحرمين الشريفين قويّ ومتين ـ ولله الحمد ـ وذلك خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء الماضية حيث قال: (إنّ أمن الوطن بخير وفي أعلى درجاته وكل يوم يزداد قوة ولله الحمد، بفضل من الله عز وجل ثم حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز ـ رعاه الله ـ وحرص أبنائه رجال الأمن الذين يفخر بهم الجميع، وإصرارهم على تطهير الوطن من كل من تسول له نفسه المساس بمقدساته ومكتسباته وسلامة مواطنيه والمقيمين فيه، سائلاً الله أن يتقبل الشهداء ويسكنهم فسيح جناته وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل). وأمام هذه النجاحات الأمنيّة المتلاحقة في القضاء على الإرهابيّين والقضاء عليهم، وتتبّعهم في جحورهم، يتبقّى مواصلة كافة أفراد ومؤسسات المجتمع بالعمل سوياً في مساندة رجالات الأمن لتضييق الخناق على الغلاة والتكفيريين والإرهابيين "خوارج العصر" كلٌّ وفق جهده ومسؤوليته، ولعلّ من أول المعنيين في ذلك هم العلماء والدعاة وطلبة العلم والخطباء، وذلك بتفعيل جهودهم في التصدي للفكر المنحرف الذي يغذي التطرف، ويقوده ليصبح سلوكاً تفجيرياً مدمّراً.. ومسؤولية العلماء عظيمة في هذا الشأن وفي هذا الوقت بالذات، ونجاح الدعاة في مواجهة الإرهاب يبدأ باقتناعهم الذاتي بأهمية دورهم، وعظم مسؤوليتهم، وقدرتهم على ترتيب الأولويات في مجال الدعوة، وفق قاعدة دفع الضرر أولى من جلب المنفعة، وليشغل الدعاة أنفسهم ببيان حكم الإرهاب وقتل الأنفس البريئة في الفقه. ومن المعلوم أن الأولويات يختلف ترتيبها من وقت لآخر، فليس من المقبول عقلاً أن يستهلك الخطباء خطبة الجمعة في مناقشة مسألة لا تتعلق بمصالح المسلمين، في الوقت الذي يصلهم صوت الانفجارات التخريبية، وليس مقبولاً أيضاً أن ينشغل الدعاة أو الفقهاء ببعض الخلافات في الفروع، عن خطر يهدد أرواح المسلمين الآمنين، ويسيء لصورة الإسلام أمام العالم أجمع. ومن المهم أيضاً أن يدرك كل داعية أن له دوراً فاعلاً لا يجب الاستهانة به في علاج قضايا مجتمعه، فالدعاة في كل العصور هم أنجح المصلحين الاجتماعيين، وأن يؤهل نفسه للقيام بهذا الدور في كل وقت، ليس داخل المسجد فقط، بل وحتى في عمله الحكومي أو الخاص، فالدعوة إلى الله ليست وظيفة بل هي رسالة. وإذا كنا نتحدث عن مسؤولية الدعاة في التصدي للإرهاب، وأنها أسبق ترتيباً من مسؤولية رجال الأمن، وأكثر أولوية من أمور أخرى كثيرة، فإننا نقصد بذلك كل الدعاة، ومن يستطيع أداء رسالة الدعوة، لا نعني إمام المسجد أو الخطباء فقط، بل نعني كل داعية وكل إنسان في حدود استطاعته، رجلاً كان أو امرأة، ولا يستهين الدعاة بقدرتهم على التصدي لخطر الإرهاب، بل ربما بدرجة أكثر فاعلية من رجال الأمن، وأقل خسائر، لأن الداعية يواجه الإرهاب في مرحلة تشكل نواته الأولى في العقول قبل أن يتحول إلى فعل تخريبي ملموس. فهل يعي الدعاة والخطباء مسؤوليتهم، ويرتبوا أولوياتهم، ويدركوا ضخامة المسؤولية المنوطة بهم في وأد خطر الإرهاب في مرحلة ما قبل الانفجار والتفجير.
مشاركة :