شكّل إعلان الرئيس السابق للحكومة اللبنانية زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عن أمله «في ان يكون آخر هذه السنة خير وبرَكة على اللبنانيين، ونتمنى انتخاب رئيس للجمهورية، وكل ما نقوم به هو من أجل ذلك» تطوّراً مهماً شغل الوسط السياسي في بيروت التي بدت في الأسابيع الأخيرة كأنها دخلت مرحلة «ربْط الأحزمة» على وقع ملامح اهتزازٍ للضوابط السياسية التي تحكم «ستاتيكو» الفراغ الرئاسي، في موازاة خطر الإرهاب الماثل دائماً كواحد من ارتدادات الحرب السورية القابلِ للتوظيف في أكثر من اتجاه. وما جعل كلام الحريري، الذي أطلقه خلال افتتاح حفل توزيع الجوائز في مهرجانات «بياف» التي أقيمت مساء أول من أمس، في محلة «الزيتونة باي» في بيروت، يكتسب أهمية بالغة انه تَزامن مع موقف «على الموجة» نفسها لوزير الداخلية نهاد المشنوق (من فريق الحريري) أكد فيه أنه يتوقّع انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية السنة معلناً ان «هناك قراراً دولياً وجدياً وكبيراً وغير منظور بانتخاب رئيس قبل نهاية 2016»، ومحذّراً من انه اذا لم يتم انتخاب رئيس «فالنظام كله معرّض لما لا تحمد عقباه»، قائلاً إنه «صديق العماد ميشال عون، لكن ليس مهماً من نحب ومن نكره (...) ونحن ككتلة المستقبل ملتزمون حتى الآن ترشيح النائب سليمان فرنجية ولكن لا يكفي ان نكون ملتزمين وجالسين كلٌّ في بيته وننتظر القدَر، ومهمتنا ان نستمر في الحركة للحضّ على انتخاب رئيسٍ بالتفاهم مع كل القوى». وبدا موقفا الحريري والمشنوق في سياق معاجلة الوضع اللبناني بجرعة أملٍ وتفاؤل جديدة في ظلّ استحالة معالجة الأزمة السياسية - الدستورية في المدى المنظور وذلك استباقاً للفشل الذي ستنتهي اليه خلوة الايام الثلاثة التي دعا اليها رئيس البرلمان نبيه بري طاولة الحوار الوطني في 2 و 3 و 4 اغسطس المقبل، وهو ما كانت أوساطٌ سياسية عبّرت عن الخشية من ان يُدخِل البلاد في مرحلةٍ أقسى من «عضّ الأصابع» ولا سيّما في ضوء ما تواجهه الحكومة من «حمولة زائدة» في الخلافات باتت تهدد حتى تسيير الحدّ الأدنى من الملفات. وأكدت أوساط واسعة الاطلاع لـ «الراي» ان من غير الواقعية قراءة كلام زعيم «المستقبل» ووزير الداخلية على انه في إطار تحوُّل في موقف الحريري من ترشيح عون والحاجة الى الوقت للحصول على الضمانات المطلوبة من الأخير لمرحلة العهد الجديد، مشيرة الى ان «المستقبل» متمسّك بمبادرته ترشيح زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية «وكلام الوزير المشنوق واضح في هذا السياق»، معتبرة ان رسْم أواخر 2016 موعداً لانفراج رئاسي في لبنان لا يعدو كونه محاولة لإشاعة مناخٍ من شأنه تعزيز «الصمود الداخلي» ريثما يكون انقشع غبار الصراع في المنطقة وحصلت تطورات تخدم الواقع اللبناني ايجاباً. وما عزّز هذا الانطباع الكلام الواضح الذي أطلقه النائب سليمان فرنجية بعد زيارته أمس، بري، مطلقاً مواقف بالغ الدلالات اكد فيها «ان مبادرة رئيس تيار المستقبل ما زالت قائمة، وكل ما يحكى عن انسحابي عار من الصحة وليس موجوداً او مطروحاً»، موضحاً «ان الحريري لا يغيّر رأيه قبل الجلوس مع مَن تفاهم معهم»، مشدداً على «ان لا أحد يمون عليّ من حلفائي بالانسحاب الا الاجماع الوطني الكامل، واي مناورة لا تمون علينا، لم أبلغ اي مسؤولين دوليين نيتي بالانسحاب». واعلن «ان حلفائي لن يطلبوا مني الانسحاب، لا الرئيس بري ولا (الامين العام لحزب الله) السيد حسن نصرالله ولا الرئيس السوري بشار الأسد، وسأبقى في المعركة حتى آخر لحظة ما دام هناك مَن يؤيّدني»، لافتاً الى «اننا في استراتيجية واحدة مع الرئيس بري ولدينا رؤية واحدة، ونحن نتفق معه 100 في المئة». ورأت دوائر سياسية عبر «الراي» ان كلام فرنجيّة من عين التينة (حيث مقرّ بري) تحديداً له مغازٍ عدة، ولا سيما بعد ما واكب الوصول الى «تفاهم نفطي» بين رئيس البرلمان والعماد عون من مناخٍ عوني عن اتفاق كامل مع الأول، بما أوحى أن إزالة المعوقات من امام ملف النفط والغاز جاء في سياق تفاهم رئاسي على حساب زعيم «المردة» الذي لطالما أطلق رئيس البرلمان إشارات الدعم له رئاسياً. وفيما كانت الأنظار شاخصة على إطلالة نصرالله مساء امس، وتركيزها على التطورات في سورية التي تقف على أبواب تحولات استراتيجية انطلاقاً من معركة حلب، كان لافتاً تزامُن «تثبيت المواقع» رئاسياً والتعاطي مع «الخلوة الثلاثية» لطاولة الحوار على انها «حرَكة بلا برَكة» رغم ما نُقل عن بري من انه سيستمرّ «بالحفر في الجبل حتى يطلع الماء»، مع عامليْ ضغط استبقا موعد 2 اغسطس: الاول من قوى «14 آذار» وأمانتها العامة اعتُبر «خط دفاع»، برسم الحلفاء والخصوم، عن الموقف الرافض اي انزلاق الى السير بمنطق السلّة المتكاملة للحلّ في ملف الرئاسة كما يطرحها رئيس البرلمان اي متضمّنة تفاهماً مسبقاً على قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وتوازنات وبياناً وزارياً وبعض التعيينات وضوابط لإدارة السلطة، وهو ما يُعتبر التفافاً على اتفاق الطائف. وفي هذا السياق تدخل العريضة الوطنية التي كشف منسق الامانة العامة لـ «14 آذار» فارس سعيد عن إطلاقها «رفضاً لأي تعديل في النظام اللبناني المرتكز الى الطائف»، واضعاً اياها في إطار «النداء التحذيري للمشاركين في الحوار الوطني كي لا ينزلق أحد نحو المطالبات بتغيير النظام السياسي اللبناني». اما العامل الثاني فهو عودة «الحِراك المدني» الذي كان أطلّ برأسه في عزّ ازمة النفايات التي ضربت لبنان ابتداءً من صيف 2015، الى الشارع وهذه المرة تحت عنوان اعتماد النظام النسبي في قانون الانتخاب الذي يشكّل احد بنود السلة المتكاملة للحل الرئاسي وأحد عناوين الضغط الدولي على لبنان لإنجاز الانتخابات النيابية في مواعيدها الصيف المقبل، وسط علامات استفهام حول توقيت إحياء هذا الحِراك الذي يضرب اليوم موعداً اول لتجمع امام مقر البرلمان في ساحة النجمة انطلاقاً من منطقة البربير، هو الذي كانت اندفاعته في الشارع قبل أشهر تحوّلت فوضى عارمة واحتكاكات مع القوى الأمنية انتهت بأفول هذا الحِراك ونجمه.
مشاركة :