ماذا وراء ضخّ «حزب الله» مناخاً إيجابياً بشأن الانتخابات الرئاسية في لبنان؟ وهل الأمر في إطار مبادراتٍ تتكئ على تحولات أمْلت إخراج هذا الاستحقاق من «مستودع الانتظار» ام انه في سياق مناوراتٍ داخلية من ضمن استراتيجية «شراء الوقت» ونقل «كرة التعطيل» الى ملعب الآخرين؟ هذان السؤالان أرخيا بثقلهما على الواقع اللبناني عشية استقبال بيروت اليوم وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي يزورها لمدة 48 ساعة مستكشفاً آفاق الأزمة السياسية - الدستورية التي تعيشها ومستطلعاً مرتكزات أيّ مبادرة يمكن ان تطلقها مصر بشأن الملف اللبناني. وعشية الانشغال بهذه الزيارة، استوقفت أوساطاً سياسية مطلعة في بيروت «معاجلة» رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد المشهد السياسي بموقف لافت من الاستحقاق الرئاسي اعلن فيه «أخال أن الطريق أصبحت ناضجة (لانتخاب رئيس)، ونأمل في أن تحل في القريب العاجل»، مشيراً إلى ما قاله الرئيس بري بأنه متفائل بانتخاب رئيس للجمهورية من الآن إلى رأس السنة الجديدة. وما جعل كلام رعد يكتسب أهمية مضاعفة انه جاء بعد أقل من 48 ساعة من فتْح الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله «نصف باب» أمام إمكان قبوله بعودة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري الى رئاسة الحكومة، تحت سقف التمسك بترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بإعلانه «ان الحزب سيكون منفتحا وايجابياً حيال ما يتعلق برئاسة الحكومة بعد انتخاب الرئيس، ولن نصعّب الأمور». وبرزت قراءتان متناقضتان لما أطلقه نصر الله و«أكمله» رعد: * الأولى قدّمتها دوائر مراقبة عبر «الراي» انطلقت مما عبّر عنه كلام الأمين العام لـ «حزب الله» لجهة المأزق الذي يواجهه الحزب في سورية ولا سيما في ضوء نتائج معركة حلب والتقدّم الذي حققته المعارضة والذي توَجّه نصر الله على وهجه الى «داعش» و«النصرة» عارضاً عليهما وسائر المجموعات المقاتلة في سورية والعراق إلقاء السلاح مقابل «الصلح». وحسب هذه الدوائر، فإن «حزب الله»، بدأ يستشعر التعقيدات الميدانية للحرب في سورية وهو يقف ومعه ايران على مشارف مرحلة جديدة في اميركا مع بدء العدّ العكسي للانتخابات الرئاسية التي عكس كلام نصر الله ميْلاً الى تفضيل المرشح المثير للجدل دونالد ترامب على هيلاري كلينتون، الأمر الذي ربّما يشكّل عاملاً ضاغطاً يجعل الحزب يحبّذ الإفراج عن الملف الرئاسي قبل نهاية السنة مستفيداً من فرصة قد لا تتكرر لجهة انحسار المعركة الرئاسية بين مرشحيْن من «8 آذار»، الأول مدعوم من الحزب ومن «القوات اللبنانية» هو العماد ميشال عون، والثاني يؤيده الرئيس الحريري والرئيس بري وهو النائب سليمان فرنجية. وترى الدوائر نفسها ان «حزب الله» الذي لطالما اعتُبرت رئاسة الحكومة وقانون الانتخاب هما العنوانان الرئيسيان في المعركة التي يخوضها في «الحديقة الخلفية» للانتخابات الرئاسية، ربما أدرك ان أي إفراج عن الرئاسة في التوقيت الذي يريده لا يمكن ان يحصل من دون إسقاط «الفيتو القاطع» الذي وضعه على عودة الحريري لرئاسة الحكومة في سياق الاشتباك الكبير في المنطقة بين ايران والسعودية، على ان تكون النقاشات حول قانون الانتخاب كفيلة بالوصول الى أرضية مشتركة بما يحفظ التوازنات في البرلمان العتيد وتالياً ضوابط اللعبة السياسية في العهد الجديد، على ان تأتي تباعاً ملحقات «التسوية» على شكل ضمانات متبادلة في ما خص الحصص داخل الحكومة وبيانها الوزاري. ومن ضمن هذا السيناريو تضع هذه الدوائر الكلام المتجدّد لبري عن انه «منذ أن رشح الحريري النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية أنا معه (الحريري) ظالماً أو مظلوماً، وتقتضي المرحلة والمصلحة الوطنية الاتيان بالحريري الى رئاسة الحكومة (...)». * أما القراءة الثانية التي قدّمتها مصادر غير بعيدة عن «14 آذار» عبر «الراي» فمغايرة تماماً وتعاطت مع كلام نصر الله ورعد على انه في سياق «إراحة» عون وردّ التهمة عن «حزب الله» بأنه لا يقوم بكل ما يلزم لتسهيل انتخابه رئيساً وبأن «الحظر» الذي يفرضه على عودة الحريري الى رئاسة الحكومة لا يسهّل مفاوضات عون الرئاسية مع فريق «المستقبل»، على قاعدة انه وفق اي منطق يُطلب من الحريري مجرّد البحث في انتخاب عون ما دام توليه رئاسة الحكومة أمراً «خارج البحث» بالنسبة الى «حزب الله». ووفق هذا السيناريو، ترى المصادر ان «حزب الله» يريد ردّ كرة التعطيل التي يُتّهَم بها الى ملعب الحريري تحديداً محاوِلاً «إغراءه» برئاسة الحكومة لإحداث إرباكات داخل صفوف «المستقبل» وايضاً محاولة اللعب على العلاقة بين زعيم «المستقبل» والسعودية، وحشْر الحريري وحتى الرياض من خلال تحميلها تبعات استمرار تعطيل الاستحقاق الرئاسي بعدما لوّح نصر الله بإزالة «الضوء الأحمر» من أمام عودة حليفها الى رئاسة الوزراء. وتشير الى ان «حزب الله» الذي يدرك تماماً ان مشكلة «المستقبل» هي مع عون وما يمثّله في تموْضعه الاستراتيجي وذهنيته في الحكم وليس في رئاسة الحكومة التي تتحدد وفق الدستور، يسعى من خلال «القنبلة الدخانية» الايجابية التي رماها الى كسب المزيد من الوقت ورفْد الوضع الداخلي بالمزيد من «المسكّنات» التي تسمح باستكمال الحوار الثنائي بين الحزب و«المستقبل» وتوفير مقوّمات «بقاء» طاولة الحوار الوطني التي تلتئم مجدداً في 5 سبتمبر المقبل، معتبرة ان نصر الله يعرف ان رئاسة الوزراء تحسمها الاستشارات النيابية وما ستفرزه الانتخابات الجديدة (النيابية) وهو يحاول تكريس مبدأ «السلّة المتكاملة» للحلّ وتالياً الالتفاف على اتفاق الطائف. وإذ رأت المصادر ان نصر الله تحدّث وكأنه «المنتصر» الذي كرّس الرئاسة الاولى والثانية لفريق «8 آذار» (عون وبري) ويمنّ على الحريري بأن «يفكّر» في إمكان عودته لرئاسة الحكومة، وهو ما يعني عملياً انها دعوة لكل قوى «14 آذار» ومعها السعودية الى «الاستسلام» وتسليم «مفاتيح» البلد لايران، اشارت الى ان موقف الحزب لم يتبدّل لجهة إبقاء استرهان الوضع اللبناني لمقتضيات المعارك المتنقلة التي تخوضها ايران في المنطقة وايضاً مقتضيات المواجهة الكبرى بين الرياض وطهران، إلا اذا استطاع الحزب تحصيل كامل شروطه الرئاسية بتنازلات من «14 آذار» فيكون حقق ما يريد «على البارد».
مشاركة :