شباك المطبخ - مقالات

  • 7/30/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بيني وبين جارتي، شباك مطبخ. لا تعرفني ولا أعرفها. لم ألتق بها ولم تلتقِ بي أو تعرف اسمي. كل ما يربطنا نافذة مطبخ. نفتحها حين نطبخ، فتأتي إلي روائح طبخها الشهي، وتذهب إليها رائحة بهارات طبخي. فتقول: يمسيك بالخير. أرد: أهلا، ازيك النهارده. تقول: نحمده. عاملة ايه عالغدا. أسألها: انتِ شامة ايه. فترد: باميا... بس من دون لحمة طبعا. أضحك. تعرف أني نباتية لأنها لم تشم أي روائح لحوم من عندي. وتكمل: بس في عطر بهارات غريبة، انتِ حاطة ايه يا بنت. ونكمل حديثنا، عن الطبخ والحياة... أمور البيت والعمل. أسألها، تستشيرني. ثم يذهب كل منا بطريقه. لا «فيس بوك» ولا «تويتر» ولا «سناب». صوت حي وتعبيرات فعلية. ضحك وحزن. تواصل انساني. صرنا نفتقده ونحتاجه جداً، في حياة لا شبابيك مطبخ فيها تأتي منها أصوات وروائح حنونة، ولا أبواب يدخل منها أهل وخلان، ولا حتى سماعة تليفون تشفي شغف حنين، تروي عطش شك، ونتذوق عبرها شغف لذة سؤال: كيفك؟ هل أنت بخير؟ كل ما لدينا مربع شاشة أسود، أبيض أزرق. حروف ورموز ضاحكة، عابسة شيطانة وملائكية تتحدث عنا. حتى الورود التي نقول بها صباح الخير باهتة أسوأ من البلاستيك. مجرد رسم الكتروني عابر. أي غربة ووحشة نعيش! أي انسلاخ عن تجارب الحياة ودروسها نعتنق! كل حياتنا تكنولوجيا. اشعاع وطاقة كهربائية تخدر وعينا، تستهلك طاقتنا وتشحن وقتنا بأوهام الحب والصداقة. أخلاق الكترونية سرعان ما تنمسح ويأتي غيرها. اشعاع يخزن فينا الأمراض والعجز ويستعجل شيخوخة عقلنا وكآبة نفوسنا. رأيت منذ أيام مشـروعا لقرية في ايطاليا، يتحاور الناس فيها بكافيهات أمام لوحة ل«تويتر». ويرسلون رسائل فعلية عبر صندوق بريد، أمام لوحة ايميل و«واتساب». ويحتفلون بمناسبات أعياد ميلاد وغيرها بجانب علامة «فيس بوك». ورغم صعوبة تصور الاستغناء عن مواقع التواصل ووسائل التكنولوجيا، لكن الرسالــة تدعـــــو إلـــــى عــدم إلغـــــاء الواقع الفعلي العاطـــفي المعاش على حساب أصدقاء وهميين عبر شـــاشة لا نعرفهم ولا يعرفوننا. بينما نهمل أفرادا يتقاسمون معنا حياتنا الحقيقية المعاشة.

مشاركة :