الصحة النفسية ضرورة وليست ترفا

  • 7/31/2016
  • 00:00
  • 38
  • 0
  • 0
news-picture

في حقب زمنية عتيقة اتسمت بالجهل والفقر، لم تكن ثمة أخطار عظيمة يمكن أن تواجه البشرية أشد من الأمراض والأوبئة الجسدية التي ليس لها علاج، لذلك كانت المحاولات للتداوي آنية تتم بالمحاولة والخطأ وإعادة التجارب السابقة التي أثبتت نجاحها، فيما عدا ذلك لم تعرف البشرية أمراضا تجاوز الجسد أو تقتضي علاجا روحانيا، إلا فيما ندر بوصاية من كاهن القرية ومعاونيه من الجن، سواء كان ذلك حقيقة أو ادعاء. أما اليوم وقد وصل الإنسان بحاجاته الأساسية حد الاكتفاء -غالبا- وأصبح يتطلع برغبة أكبر إلى كماليات هذه الحياة، فقد تطور مع هذا الاحتياج شيء آخر، وهو تلك الأمراض التي لم تعد تتعلق بالجسد فقط، فقد أصبح للنفس أو الروح منها أبلغ الحظ والنصيب، وللأسف فمع امتلاك الرصيد العالي من المعرفة والنظريات إلا أن غالب هذه النظريات في مجتمعاتنا تبقى رهينة الوصف والتشخيص في المجالس والندوات، دون تفعيلها بما يكفل القضاء على تلك الحالات المرضية كل حالة بما تقتضيه. ويبدو للمتابع المتعايش مع مجتمعه، سواء بما تصوره الدراما المجسدة للواقع أو الحالات اليومية المشاهدة في الشوارع أو الأماكن العامة وحتى من خلال تشخيص حالات بعض من وقعوا في أعمال إجرامية إرهابية كانت أو جنائية، أن الاضطراب النفسي يلعب دورا أساسا في تشكل الحالة الإجرامية أو التطور إلى مرض نفسي خطير، من هنا فإن الحرص على السواء النفسي والصحة النفسية هو مطلب أساسي ينبغي أن يقع تحت دائرة اهتمام الجهات التربوية بداية، ومن ثم الاستمرار في متابعته في جميع القطاعات الاجتماعية الأخرى. إلا أنه وللأسف فإن الاهتمام بالحالة النفسية وصحتها يبقى ضئيلا وبعيدا في بعض الأسر عن دائرة الاهتمام، بل يكاد يكون هذا الاهتمام ظاهرة اجتماعية خاطئة سائدة بدليل أن مراكز الصحة النفسية لدينا في غالبها هي مراكز حكومية بدأت تعاني كثرة مرتاديها في الخفاء حتى أصبح العلاج فيها يتم عن بعد، نظرا لعجزها عن الوفاء بهذه الأعداد الهائلة، وليس هذا فقط، فمن خلال الخبرات السابقة الناتجة عن الاطلاع على المقررات الدراسية فإن مقرر الصحة النفسية يمر عابرا في ثلاث ساعات فقط خلال فصل دراسي عند خريجي بعض الجامعات من غير المتخصصين وبصورة نظرية تعريفية فقط، فيما عدا ذلك فليس لهذا المقرر أي وجود آخر، برغم أهميته واتساع نطاق الحاجة له، كما أن هذا الوجود الخجول لهذا المقرر لا يسمح لدارسه بالاستفادة من تطبيقاته إلا لمن أراد التوسع بالبحث الشخصي فقط بعيدا عن قاعات التجربة التي قد تنتج الجديد المفيد. إن هذا الإهمال المضاعف ينبغي أن يتحول إلى اهتمام مكثف يعالج بعض السوءات التي تكونت بفعل الإهمال، فيبدأ في تدرج الاهتمام بدءا من لحظة الولادة مرورا بمتابعة حالات الانحراف في مراحل الطفولة والمراهقة كي نصل إلى شاب يافع ينتفع به في شبابه ومشيبه، فالصحة النفسية في أساسها بناء يعتمد نجاحه على البنية الأولية في تكوين الإنسان (الطفل)، وعليه فينبغي أن تزود المدارس والأحياء السكنية بمتخصصين مهمتهم متابعة الحالات النفسية للقاطنين داخل هذه الأحياء، خاصة الأطفال منهم، فالإنسان الذي يشكو اضطرابا نفسيا في الغالب لا يمكنه التنبه لنفسه، إضافة إلى أن التاريخ المرضي لبعض الأسر يكشف عن أمراض وراثية لا بد من متابعة جميع أفراد الأسرة فيها، سواء كانوا مصابين أو متأثرين سلبيين بمصاب داخل هذه الأسرة، لذا فالمتابعة الطبية المتخصصة والإجبارية مطلب أساسي، وذلك لضمان مجتمع نفسي سليم من خلال المدارس والوحدات الطبية التابعة لها، إضافة إلى المراكز الصحية التابعة للأحياء والمزودة بأخصائيين نفسيين، مع ضرورة عقد دورات إجبارية لأولياء الأمور من الآباء والأمهات لمتابعة التطورات النفسية التي يمر بها الأبناء وتوعيتهم بالطريقة الصحيحة للتعامل معهم، والتي تخرج بهذا الطفل إلى جادة السواء بعيدا عن سواد الانحراف وشذوذه.

مشاركة :