ها هي ذكرى الغزو العراقي الغاشم الـ 26 تمر علينا، هذه الذكرى التي لا بد لأي كويتي أن يتذكرها وتكون أمام عينيه دائماً وأبداً. ففي 2/ 8/ 1990 انطلقت أكبر إشارة مدوية للعالم أجمع بأن هناك شعباً مسالماً أعزل لا يقبل الظلم ولا العدوان ولا الاحتلال، شعباً أثبت لكل أصقاع الأرض، بأنه وإن كان قليل العدد صغير مساحة الأرض، فإنه كبير بمقاومته لجنود الاحتلال وطغيان القوة. كثيرة هي الأمثلة والدروس والعبر التي ضربها الكويتيون أثناء محنة الاحتلال، ولن تكفي مقالة واحدة لحصر هذه الدروس، بل ولن تكفي المقالة حتى لشرح واحدة من هذه الأمثلة والعبر التي عجزت الحروف عن التعبير عنها خير تعبير. ولتكن قيمة الاستشهاد والتي أصبحت إحدى أهم القيم التي وجدت في المجتمع الكويتي، هي التي سنتحدث عن جانب قليل منها اليوم. فهذه القيمة النبيلة التي يعمل الكثير من المجتمعات والشعوب على إيجاد مثلها لدى مجتمعاتها، أصبحت لدينا واقعاً ملموساً وبامتياز... وبنظرة سريعة على قائمة شهداء الكويت من الغزو العراقي الغاشم، ستجد الوحدة الوطنية متجسدة وبكل قوة حيث تجد كل فئات المجتمع الكويتي بلا استثناء، قدمت من أبنائها العديد من الشهداء الأبرار، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على حجم الوحدة الوطنية التي جسدها الكويتيون في تلك الأيام والتي كان فيها التكافل والتعاضد والتضحية رمزاً لكل كويتي صمد بوجه الاحتلال الغاشم. وها هنا اليوم نستقبل الذكرى الـ 26 لهذه الملحمة التاريخية التي سجلها الكويتيون بأحرف من نور ولدينا من الأسرى المفقودين في العراق ما يقارب 369 أسيراً ممن تم أسرهم واحتجازهم في العراق أثناء مقاومتهم للاحتلال من بين عدد 605 من الأسرى، وقد تم اكتشاف وجلب رفات 236 أسيراً شهيداً منهم، تم اكتشافها في عدد من المقابر الجماعية المتعددة في العراق بعد تحريره من براثن النظام البعثي السابق في 2003. وهي للتذكير في مقبرة جماعية في منطقة السماوة عدد 88 رفات شهيد. وفي مقبرة جماعية في منطقة كربلاء 82 رفات شهيد. وفي مقبرة جماعية في منطقة العمارة 35 رفات شهيد. وفي مقبرة جماعية في منطقة الرمادي 27 رفات شهيد، إضافة إلى ما تم العثور عليه من رفات لعدد 4 من الشهداء الأبرار في مقبرة في صبحان الكويتية، وقد أكرمني الله والدولة بأن كلفت بإبلاغ أُسر هؤلاء الشهداء بالعثور على رفات شهدائهم وجلبها إلى الكويت، ووجدت فيهم الأمثلة الرائعة في الإيمان بالله ثم بوطنهم والتضحية من أجله بالغالي والنفيس صابرين مؤمنين بقضاء الله وقدره، لا يرجون إلا الأجر والثواب من الله سبحان وتعالى... لا ينتظرون تكريماً أو إعانة أو مساعدة، ولكنهم يأملون وهذا من حقهم، بالتكريم المعنوي ليس لهم بل لشهدائهم الأبرار الذين سطروا أروع ملاحم المجد والبطولة، من خلال تخليد أسمائهم وسيرهم في مناهج وزارة التربية ومن خلال الإصدارات الأدبية التي تروي قصص البطولة أو من خلال إنشاء صرح تذكاري للشهداء، يكون معلماً من معالم الدولة ومقصداً للزائرين من داخل الكويت وخارجها، يزين هذا الصرح بأسماء جميع الشهداء في بادرة وفاء لهم وجدناها في كل الدول التي زرناها أو سمعنا عنها، ممن لديها شهداء أو ضحايا في حروبها الوطنية. ولعمري لا شيء أكثر نبلاً أو وطنية من مواجهة احتلال أرض الوطن بالروح والنفس. وأخيراً وليس آخراً، ها هي شوارعنا الكثيرة في شمال الكويت وجنوبها شرقها وغربها، تزخر بأسماء شخصيات من الكويت، منهم مَن قدم ومنهم مَن لم نسمع بأنه قدم شيئاً للكويت... وبكل الأحوال نحن لا نستنكر تكريم هؤلاء بإطلاق أسمائهم على الشوارع، لكن أليس من الأجدى والأوفى أن يكون لشهداء الكويت نصيب من هذه التسميات؟ أليس من حقهم على وطنهم هذا التكريم وهم الذين يستحقونه أكثر من غيرهم مهما كان ما قدم هذا الغير، فليس أغلى من الروح والنفس؟ كلنا أماني بأن يتحقق هذا الحلم الذي لطالما انتظره أهالي الشهداء قريباً ليكون نبراساً لأجيالنا القادمة والمتعاقبة على مر السنين. حفظ الله الكويت من كل مكروه... ورحم الله شهداءنا الأبرار. ffalassaf@yahoo.com * رئيس مجلس إدارة جمعية أهالي الشهداء الأسرى والمفقودين الكويتية
مشاركة :