من الصعوبة أن تتفق آراء وقلوب الناس في قلب رجل واحد على قضية معينة، أو حتى تتفق عقولهم على قضية دون أن يعارض أحد أو يبرز برأي مغاير عنهم، وبعد ذلك الاجتماع بين القلوب والعقول يتم التخلص من كل المصالح الآنية الضيقة في سبيل الوطن، في لوحة جميلة رائعة رسمتها ريشة فنان محترف لا يريد لنفسه أي شيء، وإنما ليمتع الناظرين في جمال لوحته. وهذه اللوحة تمثلت في وحدة الشعب الكويتي تجاه ما حصل قبل ربع قرن من غزو صدام للكويت، والذي راح ضحيته أكثر من ألف شهيد وأسرى وخسائر مالية لا تقدر، ونهب للممتلكات والأعراض، وفي ظل هذه الأيام العصيبة ظهر معدن أهل الكويت... وذابت كل الفوارق المذهبية والقبلية والعائلية في بوتقة الكويت، وفي منظر من التسامح والمحبة صرنا نفتقده في هذه الأيام مع كل أسف. ولعل أعضاء المقاومة في «بيت القرين» وغيرهم من الشهداء، رسموا أجمل صورة من صور التلاحم والتعاضد في سبيل الوطن، حيث شاهدنا دماء الشهداء اختلطت مع بعضها ومن شتى الفرق والطوائف والعوائل، سنة وشعية وبدو وحضر، وأزالوا كل الفوارق التي كانت بينهم، وذابوا في لوحة واحدة... مجسدين ومصورين عزيمة الشباب في أجمل تمثيل، مبتعدين عن جميع أشكال الطائفية الممجوجة التي صرنا نسمعها في هذه الأيام عند كل حادثة، حتى عند أطفال المدارس. إن شهداء الكويت سيبقون ويقفون في وجه كل من يريد أن يعبث بوحدتنا الوطنية كائناً من كان، وهذه الدماء الزاكية ستظل نبراساً للمستقبل، وهي ذكرى طيبة تستحق أن نتذكرها كل عام لنأخذ منها العبرة، وخاصة في بلد ذهب وعاد أفضل مما كان في أقل من عام... ولكن مع كل أسف فإن النفوس لم تعد كذلك وكما كانت متسامحة طيبة، بل مشحونة على الآخرين. أعتقد أننا مازلنا نجهل دروس ملحمة شهداء الكويت ودروس الغزو، وهي قضية تستحق أن نضع عليها المجاهر الفاحصة والكاشفة أكثر لنستقي منها دروس المستقبل، وذلك لندرس الزوايا المختلفة منها، ولنربي أجيالنا على التسامح مع الآخرين. نتمنى من وزارة الاعلام الاهتمام أكثر بدروس الغزو التي تعلمناها ثم نسيناها خاصة في التسامح مع الآخرين، وأن الكويت تحتضن الجميع، وتسليط الضوء على التضحيات التي قدمها رجال وبنات الكويت في جميع المناسبات الوطنية، حتى يتعلم أطفالنا ماذا فعل شباب الأمس بوطنهم، وكيف دافعوا عنه باستبسال، وكيف كان الشعب الكويتي موحداً بكل أطيافه، ورفض الحكومة العراقية الموقتة، وأن العمل الخيري كان من دعامات حفظ الكويت، وكيف شاركت أكثر من 40 دولة صديقة لعودة الشرعية الكويتية. كل هذه الدروس تستحق أن تدرس وتعلم لكل الأجيال القادمة. akandary@gmail.com
مشاركة :