الخوف يتوارثه العراقيون جيلاً بعد جيل

  • 8/2/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لا يوجد الكثير مما يشعر الشباب بالأمان في بلد مثل العراق اعتاد سكانه الحروب والموت منذ أجيال، فالملاذات الآمنة تكاد تكون معدومة في هذا الزمان. الخوف بات شعوراً طبيعياً، بل إن غالبية العراقيين اعتادت التعايش معه في حالات لا توجد فيها الكثير من الخيارات المتاحة، لا سيما في العاصمة والمدن التي دخلها «داعش» حيث عاشت العائلات النزوح والتهجير والجوع وما زالت تحتفظ بذاكرتها بالكثير من الألم. يقول سرمد علي يسار أحد الشباب النازحين من الأنبار إلى بغداد: «وحدها الهجرة الى بلاد أخرى ستدفعني الى الشعور بالأمان في يوم ما، اما المقاومة والعيش هنا فلا طائل منهما ولا أمان». لا ينفرد الشاب النازح وحده بهذا الرأي بل يشاطره الكثيرون من أقرانه رؤيته وخوفه من مستقبل مظلم إذ رددوا عباراته ذاتها وبعضهم اكتفى بعبارة «نعم انه محق». «نخاف الحروب، من حقنا ان نعيش بسلام مثل بقية الناس. انا من عائلة فقدت الكثير بسبب الحروب... فقدت جدي في حرب السبعينات مع الأكراد وفقدت عمي في حرب التسعينات ثم قتل أخي في الرمادي من جانب تنظيم «القاعدة» وغادرنا نحن منزلنا في الانبار بعد شهر من دخول «داعش» اليها، لم نشعر بالأمان يوماً»، يضيف بألم. سهيل ناجي الشاب العشريني صديق سرمد يعترض على بعض عباراته ويقول: «اعتقد بأننا سنبقى بخير على رغم كل شيء شرط ان لا تتفاقم الطائفية بيننا، هي وحدها ما يخيفني من المستقبل ربما لأنني من عائلة مختلطة مذهبياً ولا اريد ان يقع اي من اقربائي وأصدقائي من الطرفين ضحية الانتقام الطائفي الذي يغذيه الساسة». الحروب أمر قدري بالنسبة الى الشاب البغدادي الذي تجمعه بسرمد صداقة متينة وإن لم تتجاوز العامين فقط. لكن الحروب تكثف العلاقات والمشاعر، فقد تعارف الشابان بعدما حصل النازح بينهما على موافقة لاستضافته في جامعة بغداد، لكن يبقى القلق والخوف من ان تنتقل تلك الحروب الى مرحلة الانتقام المباشر التي تعمل فيها كل الحواس ويتوقف فيها العقل والمنطق. ويقول سهيل: «فقدت اثنين من أخوالي بسبب التناحر الطائفي عندما تم اختطافهم في شكل مفاجئ من امام دارهم، ولا اريد ان افقد المزيد». أما الشابة الكردية التي تقطن بغداد صبا حسن الجاف فتقول: «ليست الحروب الدائمة والنزوح والطائفية وحدها ما تخيفنا بل الوضع العام والفساد اللذان تسببا في بناء خاطئ للدولة وسيكلف اأجيال المقبلة الكثير». وتضيف بشيء من السخرية واليأس: «حاولت مرارا اقناع عائلتي بالرحيل الى كردستان وترك بغداد لكن من دون جدوى فوالدي يعشق المكان على رغم كل شيء، ولكن ما الفائدة من التمسك بمكان لا أمان فيه». صبا وصديقاتها يشعرن بغياب الأمان في شكل عام، خصوصاً انهن فتيات، فالخطر عليهن اضافي، لكن أشد ما يخيفهن التفجيرات المفاجئة التي تشعرهن بالقلق على أفراد العائلة في شكل دائم. «وحده الله يعلم كيف ستكون النهاية» تقول الفتاة المتحمسة للذهاب الى كردستان. وتضيف: «انتمى شقيقي الى الميليشيات المسلحة لعدم شعوره بالأمان وبات يمارس طقوساً متشددة منذ ذلك الحين، لكن الحقيقة ان الدين لم يشده يوماً انما استقطبه السلاح الذي حصل عليه بسهولة وربما كان ذلك السلاح هو السبب الرئيس في شعوره بالأمان». لا تؤيد نسرين جميل رأي صبا وتقول ان الشعور بالأمان يأتي بعد الزواج حينما تشعر الفتاة ان هناك رجلاً يساعدها على صعوبات الحياة حينها فقط ستشعر بالأمان على رغم صعوبة الظروف، لترد صبا: «من يجرؤ على الزواج والإنجاب في بلد كهذا لا أمان فيه، انها جريمة ترتكبينها بحق طفلك مثلما ارتكب اهلنا الجريمة نفسها بحقنا». وتدخل الشابتان في نقاش حاد ترى فيه نسرين ان صديقتها «متشائمة وأنه لو فكر الجميع مثلها لتوقفت الحياة». المتشائمون وغيرهم والخائفون وأقرانهم الآملون تحسناً في الأوضاع جميعهم يلتقون في شكل يومي في شوارع العاصمة ومواصلاتها العامة، بعضهم أصدقاء وآخرون أغراب، لكن النقاشات تبقى على الطاولة سواء بين الغرباء ام الأقرباء «انها الديموقراطية الوحيدة التي شعرنا بها بعد التغيير. نتحدث ونقول ما نريد... لكن لا احد يسمعنا» يقول احد الشباب وهو ينفث دخان اركيلته بعيداً عند مدخل أحد المقاهي.

مشاركة :