«لا وقت لديّ، أصدقائي على الجهاز اللوحي ينتظرونني لبدء اللعبة. أرجوك بابا اطلب من أخي عوضاً عني». هذه الجملة اعتاد رامي الحمد (17 عاماً) تكرارها كلما طلب منه والده طلباً، وحاله تنطبق على حال الكثيرين من الشباب الأردنيين الذين يمضون معظم أوقات فراغهم مع أصدقاء في العالم الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي داخل غرفهم المغلقة. ويبرر الكثير منهم ما يمارسونه من عزلة، برغبتهم في تجنب التهديد الذي يمكن أن يشكله على حياتهم أو جيوبهم الاقتران الواقعي بأشخاص قد تجمعهم بهم الصدفة أو الجامعة أو المسجد، في ظل انتعاش العنف وعمليات غسيل الأدمغة التي تمارسها تنظيمات إرهابية بين الشباب. ويستغرق رامي ساعات طويلة يومياً وهو يلعب على جهازه اللوحي داخل غرفته المغلقة، مع أصدقاء له يوفرهم البرنامج ويشكلون معه فريقاً متحداً ضد فريق آخر، في الوقت الذي يتبادل فيه معهم الحديث على مدار وقت الهجوم أو الدفاع. ويضيف رامي انه لا يعرف أعضاء فريقه بالضرورة في شكل شخصي، ويكتشف أحياناً أن معظمهم من دول مختلفة، لكنه ينسجم معهم في «التوجهات والأفكار»، مشيراً الى أنه كثيراً ما يتم طرد أي عضو يشذ في فكره عن مجموعة الفريق. وحول طبيعة الفكر الذي يتحدث عنه رامي، يقول أنهم في كثير من الأحيان يتفقون على ما يمكن تدميره أو ما هو مسموح به أو ممنوع لدى مهاجمة قلعة أو قرية معينة. ويلفت الشاب الى أن نقاشات كثيرة تدور حول ضرورة قتل وتدمير كل ما يعترض طريقهم في احتلال القرية أو القلعة، أو إعفاء العمال أو الجنود والاكتفاء بقتل القادة، ما يضطر رئيس الفريق الى مشاورة آخرين لإخراجهم من اللعبة. ويقول رامي: «بقدر ما أشعر بأن البعض أشرار ومرعبون، إلا أن شرهم آمن ويبقى ضمن العالم الافتراضي بعكس ما يجرى في الواقع». ولا يروق ما يقوم به رامي لوالديه اللذين يحاولان بشتى الطرق التخفيف من ولع ابنهم بالألعاب الالكترونية على الانترنت، فتارة يخفون الجهاز اللوحي، وتارة يضطرون الى عدم تسديد فواتير الانترنت لقطعه عن المنزل، وتارة الى تسجيله في نوادي لياقة بدنية، غير أنهم لا ينجحون في عزله عن هذه الألعاب، وفق ما يقول والد رامي حسين الحمد. ويبرر أحمد السومي (16 عاماً) تفضيله اللعب مع أصدقائه في العالم الافتراضي، على أبناء جيله على أرض الواقع، بأنه «لا يلحقه أي أذى من أصدقاء العالم الافتراضي، بعكس أصدقاء الواقع». ويضيف انه يمضي غالبية وقته، بخاصة خلال العطلة المدرسية، يلعب مع أصدقائه الذين لا يعرفهم شخصياً ألعاباً مختلفة في العالم الافتراضي، مشيراً الى انه يشعر بالملل وثقل الوقت الذي يمضيه في الجلوس مع شبان يلعبون كرة القدم أو الألعاب الشعبية المعروفة التي تعتمد على الركض والعضلات. ويشير الفتى الى أنه لا يشعر بأنه يستفيد كثيراً من الجلوس مع أبناء الحي الذي يسكن فيه، لأن الأفكار التي يتم طرحها «مملة ومتشددة في غالبية الأحيان»، ما يؤدي به الى الاصطدام بهم، بعكس أصدقاء العالم الافتراضي الذين يتحدث معهم بكل جرأة و نفتاح بلا خوف من العواقب والاتهام بالوقاحة والعار الذي يمكن أن يلحق به بين أبناء حيه. ووفق الخبير التربوي اسماعيل القلعي، فإن المراهقين في العادة يلجأون الى العالم الافتراضي هرباً من همومهم الواقعلية أو تعرضهم للإساءة في البيت أو المدرسة. وأوضح أن هذه الظروف المحيطة تقودهم الى الانغماس في النشاطات الالكترونية التي لا تجبرهم على الحديث عن معاناتهم أو حتى مجرد التفكير فيها ولا تذكرهم أيضاً بالإساءة التي تعرضوا لها، لافتاً الى أن المراهقين دائماً ما تتملكهم رغبة بالتفرد والقوة والتملك، وهي أمور غير ممكنة التحقيق في الواقع، فيلجأ المراهق الى الخيال ليخلق عالمه الخاص.
مشاركة :