في مسعى وصفه محللون عسكريون بأنه محاولة لوضع الجيش والسلطة تحت سيطرته المباشرة، اقترح الرئيس التركي رجب إردوغان، أن يتم إلحاق جهاز الاستخبارات الوطنية وهيئة الأركان والقوات المسلحة برئاسة الجمهورية مباشرة. إضافة إلى إلحاق قيادة القوات البرية والجوية والبحرية بوزارة الدفاع. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن رئيس الوزراء، بن علي يلدرم ترأس الاجتماع السنوي للمجلس العسكري الأعلى، الذي ضم كبار القادة وذلك في أعقاب تسريح نحو 1700 عسكري بسبب دورهم في الانقلاب الفاشل الذي وقع في الخامس عشر من الشهر الماضي. وكان إردوغان قال إن الجيش التركي، الذي يعد ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي "يحتاج إلى دماء جديدة". وفي مؤشر على إمساك السلطات المدنية بزمام الأمور بعد الانقلاب، وتزايد حالة عدم الثقة، لم يعقد الاجتماع كما جرت العادة في مقر قيادة الجيش، فيما برز قرار لافت من وزير الداخلية، أفكان علاء، بأنه سيتم تجهيز الشرطة بأسلحة ثقيلة، في إجراء قد يفهم على أنه محاولة إيجاد قوة مضادة للجيش. استمرار حملات التطهير شهد الاجتماع مشاركة وزير الدفاع، فكري إيشك للمرة الأولى، إلى جانب أكار وقائد القوات البرية، صالح زكي جولاق، وقائد القوات البحرية، بولنت بستان أوغلو، وقائد القوات الجوية، عابدين أونال، فيما قدم جنرالان مهمان استقالتهما بشكل مفاجئ قبل الاجتماع، بعد يوم من قيام الجيش بتسريح ما يقرب من 1700 عسكري. وكانت الحكومة التركية قد كثفت في الأيام الماضية حملة التطهير الهادفة إلى إبعاد أنصار فتح الله غولن. وأكد مرسوم رسمي تنحية 149 جنرالا وادميرالا من الجيش، بتهمة التواطؤ في محاولة الانقلاب، من بينهم 87 مسؤولا رفيعا في القوات البرية، و30 في سلاح الجو و32 في البحرية. كما استبعد 1099 ضابطاً لانعدام الأهلية. وقبل ساعات على بدء الاجتماع أعلن اثنان من أهم الجنرالات استقالتهما، وهما قائد القوات البرية، إحسان أويار، وقائد التدريب، الجنرال كميل باش أوغلو، فيما أشارت مصادر صحفية إلى أنهما طلبا إحالتهما على التقاعد. كتابة تاريخ جديد السؤال المطروح حاليا بعد كل هذه التغييرات حول قدرة قيادات الجيش على احتواء تهديد تنظيم داعش الإرهابي في سورية، وتجدد التمرد الكردي جنوب شرقي البلاد. وبالإضافة إلى الجيش طالت عملية التطهير وسائل الإعلام إذ أعلن عن إغلاق أكثر من 130 مؤسسة إعلامية، منها 45 صحيفة و16 شبكة تلفزيون، وثلاث وكالات أنباء، و23 إذاعة، و15 مجلة، و29 دارا للنشر، في إجراء أضيف إلى 89 مذكرة توقيف صدرت بحق صحافيين. وجاءت القرارات الأخيرة كحلقة جديدة في مساعي الحكومة للحد نهائيا من دور العسكر في الحياة السياسية. وكان الجيش قد حكم تركيا حكما مباشرا وغير مباشر منذ قيام الجمهورية عام 1923، وقام بأربعة انقلابات عسكرية على الحكومات المدنية في أعوام 1960، 1971، 1980، وكان الانقلاب الأخير في عام 1997 ضد حكومة نجم الدين أربكان. وما بين تغيرات عديدة وتحولات ألقت بظلالها على الدولة، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في العام 2002، برز تراجع الدور السياسي للجيش، باعتباره أحد أهم تلك التغيرات والتحولات التي أوحت لنفر من المحللين والمهتمين بالشأن التركي بأن إرهاصات لجمهورية جديدة أو حقبة مغايرة في تاريخ الأتراك قد لاحت في الأفق، لكن هناك من يقول بأن ظلال عسكر تركيا في العملية السياسية ستظل باقية، ما لم تنجح جهود حكومة إردوغان في وضع دستور جديد، يضع المؤسسة العسكرية في مكانها الصحيح حسبما هو متبع في النظم الديمقراطية الحقيقية.
مشاركة :