أردوغان يُحكم قبضته على المؤسسات

  • 7/20/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

شاهد العالم، أخيرا، ما بدا أنها محاولة انقلاب أسيء تصورها والتخطيط لها في تركيا. وبينما تظل هناك الكثير من الأمور غير المحسومة بعد، فإن أمورا أخرى كثيرة باتت واضحة. الانقلاب فشل. والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي عاد إلى مطار أتاتورك وسط محاولة للاستيلاء على السلطة سيخرج أقوى من قبل، على المدى القصير على الأقل. ولن تصب المسألة برمتها في مصلحة تركيا أو جاراتها. ولم تقم الأجنحة العسكرية التي حاولت خلع رجب طيب أردوغان وحكومته المنتخبة ديمقراطيا بالإعداد لما اعتزمت القيام به. كل حزب سياسي تركي رئيسي، بما في ذلك المجموعات المعارضة التي تتصدى للرئيس وحزب العدالة والتنمية والمجموعات الكردية المغتربة بعمق، أدانت بشدة محاولة الاستيلاء على الحكم خلال ساعاتها الأولى. رفض الانقلاب وبالإضافة إلى ذلك أصبح من الواضح للغاية أن العناصر الأساسية في القوات المسلحة التركية بما فيها الجيش التركي والشرطة ومجموعات أخرى ضرورية وقادة بمن فيهم مسؤولون بارزون ورئيس أركان الجيش لم يدعموا محاولة الانقلاب أيضا. وأخيرا، كان هناك تدفق كبير ومتوقع للدعم في أجزاء كثيرة من تركيا من أجل الحكومة والأكثر أهمية للنظام الديمقراطي نفسه أيضا. انقسام الآراء يعد الأتراك في حالة انقسام على وجه التقريب فيما يتعلق بمواقفهم من قيادتهم الحالية. نصف الأتراك الذين يحبون أردوغان وحلفاءه لم يكونوا ليأخذوا الأمر باستخفاف. وأغلب النصف الآخر من الأتراك الذين لا يتوافقون معه في الرأي ليسوا على استعداد للتخلي عن الديمقراطية الوليدة جنبا إلى جنب مع حزب العدالة والتنمية. وعلى غرار ما فهمه كل المتآمرين الناجحين بالقيام بانقلابات سياسية، فإن العرض الأولي للقوة والسيطرة على المؤسسات الرئيسية لا يعدو أن يكون مقدمة لحشد القوى الاجتماعية وجعلها تقف بقوة وراء الانقلاب. وفي هذه الحالة، ولأنهم لم يحصلوا على الدعم المطلوب في صفوف الرأي العام والمؤسسات الأساسية بما فيها أحزاب المعارضة السياسية، فإن قوة الدفع قد انتقلت على نحو سريع ومتوقع حقا بعيدا عن أيدي المتآمرين. ولاتزال الأحداث متقلقلة في تركيا على الرغم من الحسم الأولي للأمور الذي بدا واضحا في الأفق. ولكن لا يبدوأن هناك أي سوابق تاريخية لتمرد عسكري يقفز عائدا من سلسلة الإخفاقات التي مني بها الانقلابيون الأتراك وينجحون فجأة. ومن هنا فإن فشلهم يبدو أمرا لا رجعة فيه بكل المعايير، وأيا كانت الأسس التي يحلل المرء انطلاقا منها مواقفهم. مقاومة الأحداث الأخيرة ولو أن الانقلابيين كانوا قد كللوا بالنجاح، فإنه بسبب تمتع حزب العدالة والتنمية بدعم شعبي كبير وبصفة خاصة في المناطق الريفية، كانت ستبدأ مرحلة ممتدة من القلاقل الأهلية، ولكن حتى في ضوء فشلهم الظاهر، فإن تركيا ستواجه مستقبلا فوريا لا يفتقر إلى الجهامة. ويقوم أردوغان بالفعل بإلقاء اللوم على أتباع الزعيم المنفي فتح الله غولن، الحليف السابق والعدو الراهن لحزب العدالة والتنمية. ومن المؤكد أن الحكومة ستقوم الآن بتكثيف محاولات التطهير المستمرة لمؤيديه من قطاعات عدة. وعلاوة على ذلك، فإن هذه التهمة غير محتملة حيث إن أنصار غولن ليسوا ممثلين بصورة مكثفة في المؤسسة العسكرية التركية وأجهزة الإعلام والمؤسسات القومية الأخرى، وهم موجودون بشكل أكبر في الشرطة التي دعمت الحكومة على امتداد محاولة الانقلاب وفي مؤسسات أخرى. ويبدو أن المجتمع التركي رفض بأغلبية ساحقة وبحكمة وبجدية فكرة أن الانقلاب العسكري هو الجواب للمشكلات الحقيقية التي تنشأ عن سلطة أردوغان المتزايدة. وللأسف فإن التزامهم بالحكم الدستوري لن يكافأ على الأغلب من قبل المستفيدين الرئيسيين. المفارقة المأساوية هي أن هذا الدفاع المبدئي الشجاع عن الديمقراطية من قبل الشعب التركي والمجتمع والمؤسسات الوطنية سيزيد من إحكام قبضة أردوغان. مفاقمة الأمور يدرك الكثير من الأتراك الذين يعارضون بشدة توجهات أردوغان، بسرعة وحكمة، أن الانقلاب العسكري سيفاقم الأمور ولن يحسنها. وحتى لو تخلصوا من الحكم في مهده إلا أن الانقلاب العسكري بحد ذاته يعتبر خيانة وتغييرا في الحكم سيزيد من الوضع . ومن دون ضمان أن الانقلابيين قد حازوا على الدعم السياسي والشعبي المطلوب في مثل هذه النوعية الدقيقة والمعقدة من المواقف السياسية، وكذلك من دون السيطرة السريعة على المؤسسات والإمساك بالشخصيات البارزة، بمن في ذلك أردوغان، فإنه لم تكن لديهم فرصة لتحقيق النجاح الذي تطلعوا إليه.

مشاركة :