حرمة الحرم مقدسة حتى في نفسية الرجل الجاهلي، وجميعنا يعرف قصة بناء الكعبة بعد أن تعرضت للتقويض بسبب سيل جرف مبناها، ولكي يعيدوا بناءها جمعوا من حلال أموالهم ما استطاعوا، واشترطوا أن لا يكون فيه مال حرام تقديسا لحرمة البيت العتيق، فلما جمعت تلك الأموال، وقصرت نفقة البناء على القواعد التي بنى عليها سيدنا إبراهيم البيت اتفقوا على بناء ما تتحمله الأموال المجموعة، وأن يحجروا على ما لم يبن لكي لا يطوف أحد من دونه (وهو ما يعرف بالحجر إذ تمثل تلك المساحة جزءا رئيسا من الكعبة). الاستطراد في ذكر هذه القصة لتبيين قدسية البيت الحرام في نفوس الناس منذ الأزل، وهو بيت الله المعظم الذي يأمن فيه الإنسان والحيوان. ولقدم المكان وتوارث حرمته وقدسيته منذ الأزل ظل الناس يجلونه ويتجنبون إحداث أي فعل قبيح في حدوده ومساحته حتى أن ما يفقد به من مال أو أداة (كسيف أو درع) أو سلعة لا تمس ولا يأخذها أحد، وتظل في مكانها إلى أن يعود إليها صاحبها وهي التي تسمى (اللقطة) ومن يجدها يظل يعرف بها إلى أن تصل إلى صاحبها . فما الذي حدث في نفوس البشر من تغير حتى أنهم لم يتساووا مع كفار قريش في عدم اختراق حرمة البيت الحرام.؟ بل تعدوا على تلك الحرمة بما لم تأت في كتب التاريخ عبر الأزمان .!! أقول هذا بعد أن كثر القبض على مرتكبي جرائم النشل والسرقة داخل الحرم، وبجوار الكعبة المشرفة، وبين فترة وأخرى نقرأ عن جرائم النشل والسرقة (بأنواعها) وكيف يتم القبض على عصابات تخصصت في نشل المعتمرين والزائرين، والكشف أن في حوزتنهم عشرات الآلاف من الريالات السعودية، وعملات أخرى، وكذلك جوالات وذهب وجواهر. ويتخفى بعض هؤلاء اللصوص خلف الملابس الفاخرة والسكن داخل الفنادق المميزة ويجلسون مع المعتمرين والزائرين في الصحن فلا يشك بهم خاصة من قبل فرق مكافحة جرائم السرقة والنشل. فإذا امتنع كفار قريش من إقامة بناء الكعبة بمال حرام فكيف بمسلم يرتكب إثما عظيما بسرقة ضيوف الرحمن ويأكل مالا حراما؟! إن ارتكاب أي جرم مهما صغر داخل الحرم يقود مباشرة إلى الإشارة بوجود خلل ما، خلل نعجز عن تفسيره، ولا أدعي أن بمقدوري الوقوف على المسببات الحقيقية خلف مثل هذه الأفعال وإن كانت هناك مسببات حاضرة إلا أن ذكرها لا يحيط تماما بأسباب خلخلة المقدس في نفوس هؤلاء اللصوص بهذه الصورة. وأعتقد أن تغليظ العقوبة، والتشهير بمن يقوم بالسرقة في البيت الحرام يجب أن يكون معلنا، وأن لا تتساوى العقوبة مع أي سارق في أي مكان آخر فإن ماتت نفوس هؤلاء اللصوص لدرجة استباحة حرمة الحرم فإن العقوبة القاسية والمعلنة ستحد من تهافت النفوس الميتة، ومن الإقدام على سرقة ضيوف الرحمن.
مشاركة :