بين الوعاء والوعي - د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي

  • 8/4/2016
  • 00:00
  • 45
  • 0
  • 0
news-picture

** لا أجمل من الكتب القديمة إلا مؤلفوها، ولا أنقى من سواد كلماتها غيرُ بياضِ مضامينها، والهروب معها من جنون العالم شعورٌ بالأمان؛ فقد صمدت بالرغم من المتغيّرات ثم صمتت حين سامها زمن ليس لها؛فهو زمن الشاشة العابثة الغاضبة القاتمة الغائمة؛ تحمل كل شيء أتت عليه فتأتي على أذهاننا وأعصابنا واهتماماتنا، ومن أجلها هجرنا الصديق والقريب والكتاب وذوي الألباب. ** في زمنٍ غير بعيد كنا نسعد حين تحتوي مكتباتنا المنزلية «الموسوعة العربية الميسرة» ودائرة معارف القرن العشرين» و»دائرة معارف الشباب « و»دائرة معارف الناشئين»، ولذوي اليسر ترتقي درجاتُ الحبور حين يمتلكون الموسوعة البريطانية والموسوعة العربية العالمية، وكنا نتلقى عروضًا مغريةً لاقتنائها بالتقسيط، وهي - اليوم - مع سواها من الأعمال الموسوعية كالقواميس اللغوية وكتب التفسير والصحاح والمسانيد- مرففةٌ في مكتباتنا وفاءً لها لا حاجةً إليها. ** وكي لا يطول الهجرُ لها أو لبعضها على الأقل تناول صاحبكم العمل الضخم في زمنه ( الموسوعة العربية الميسرة ) - صدرت في القاهرة عام 1965 م- كي يرى قيمتها الآنية مقارنةً بقيمتها السابقة فوجد أن لمسة زرٍ لا تستغرق غير ثوان يسيرة تعادل ما بذله فريق العمل الجليل وفيه أكبر الأسماء العربية آنذاك، ومنهم : محمد أبو زهرة و زكي نجيب محمود وإبراهيم مدكور وسهير القلماوي وإسماعيل مظهر وقسطنطين زريق وفؤاد صروف ومحمد شفيق غربال وعشرات القمم العلمية التي يُطاول بوجودها في قائمة خبرائها كلُّ إنجاز. ** من يقرأ التصدير سيرى حجم العمل الجبار والعناية السياسية والمجتمعية والثقافية به ولكن ما بقي منه ليس سوى كتاب «مُتحفي» يُنظر إليه بعين الإجلال ثم يمسح فوقه بهدوء ويعاد إلى رفه خلوًا من الغبار الذي ران عليه. ** وما دمنا في سير الكتب القديمة فقد وعينا على مديحٍ ممتد بحق كتابٍ أثّر وأثرى ككتاب (القانون في الطب) ويشاء الله أن تضم مكتبة صاحبكم نسخة منه - 1982م - موافقةً لطبعة روما عام 1593م، وإذ فتش فيها فقد وجد هذا العمل العظيم في زمنه لا يعدو أن يكون كتاب أعشابٍ ونباتاتٍ لم يبق منه إلا قيمته التأريخية. **ندلّل مكتباتنا المنزلية ونتيقن أنها توشك أن تصبح زينةً لمن شاء فُرجةً وتراثًا لمن هوى جمع الآثار وذاكرةً لمن شاء الاعتبار؛ فهل بلغنا اليوم الذي صارت فيه مكتبة المنزل عبئًا على المكان وخارج حدود الزمان، وهل يغفر لنا مؤلفوها ومهدوها لو وجدونا نبحث عمن يحملُها بعيدًا عنا وهل نطيق وداعها وتهون علينا خدماتها الغابرة؟ ولعله يختصر الإجابة عما يخصه في «لاءاتٍ» لا تنتهي ولو لم يجد تبريرًا لحبٍ غير ذي جدوى. **الأوعية تتبدل.

مشاركة :