«الذاكرة الخلوية».. ظاهرة بلا تفسير

  • 8/5/2016
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

إعداد: عبير حسين عندما أجريت عمليات نقل القلب قبل عقود، لاحظ الناجون الفائزون بالقلوب البديلة، تغييراً في مزاجهم الشخصي، ومشاعرهم، وسلوكهم، وحتى أحلامهم، ولسنوات طويلة تعامل الأطباء مع شكوى مرضاهم من تغير حالتهم النفسية بعد زرع القلب، على أنها من الأعراض الطبيعية، التي تطرأ على الجسد الذي يستقبل عضواً جديداً، وتوقف اهتمام الغالبية منهم على مدى نجاح الجراحات إكلينيكياً، بدون البحث عن تفسيرات لشكاوى مرضاهم، التي اعتبرت نفسية في المقام الأول. البروفيسور جاك كوبلاند من كليفلاند كلينيك، والمشرف على أكثر من 700 جراحة زراعة قلب، لاحظ تكرار الشكوى نفسها عند أغلب مرضاه، الذين عانوا تغييرات عميقة في شخصياتهم، واتفق كثير منهم على وصف حالتهم بشعورهم، وكأن شخصاً آخر يعيش معهم. وكانت حالة طالبة تدرس علم النفس 28 عاماً، هي الأكثر وضوحاً، إذ تغيرت شخصيتها إلى النقيض تماماً، بعد نقل قلب شخص متوفى في حادث، إليها، إذ بدأت تهوى ممارسة كرة القدم، بينما لم تهتم فى ماضيها يوماً بممارسة أي رياضة، كما تحولت شهيتها إلى أنواع من المأكولات لم ترغب فيها من قبل، وحالة أخرى لطفل استبدل قلبه بسبب خلل وراثي فيه، وبالرغم من نجاح الجراحة إلا أن الطفل أصيب بعد ذلك بخلل فى الجانب الأيسر من الدماغ، وتبين أن الطفل المتبرع كان يعاني المرض نفسه، وفي حالة أخرى ظل طفل يعاني رؤية كوابيس مزعجة، ومطاردة مجهولين له في الأحلام بعد زراعة قلب من طفل آخر، وتبين لاحقاً أن الطفل المتبرع مات مقتولاً. وحتى اليوم لم يقدم العلم تفسيراً منطقياً لانتقال صفات شخصية من المتبرع إلى المريض، وبعدما كان الاعتقاد أن الأمر يقتصر على القلب، باعتباره يحتوى على مراكز خاصة بالذاكرة تؤثر في عمل الدماغ، واكتشف العالم أن ظاهرة الذاكرة الخلوية، تمتد لتشمل كل الأعضاء المتبرع بها. اخترنا هنا عدداً من أغرب الحالات التي تغيرت فيها شخصيات المرضى الحاصلين على أعضاء بديلة. كلير سيلفيا كانت الأمريكية كلير سيلفيا الأولى التي تجري جراحة خطرة لزراعة قلب ورئة، في الوقت نفسه، بمستشفى إنجلاند بولاية ماين، وبالرغم من النجاح الكبير الذي كللت به الجراحة، إلا أنها فاجأت الأطباء بشكوى غريبة من شعورها بأنها لم تعد الشخص الذي كانت في السابق. احتاج الأطباء لعدة أشهر، حتى يتفهموا حقيقة شكوى سيلفيا، التي عانت أحلاماً مزعجة، وكوابيس دائمة، إضافة إلى تغير كبير في ذوقها الخاص بالطعام، إذ أصبحت تفضل الوجبات السريعة، التي كانت نادراً ما تتذوقها، كما أدمنت تناول الشوكولاتة بشكل مبالغ فيه، وقالت سيلفيا للأطباء إن هناك شخصاً اسمه تيم، يظهر لها دائماً في الأحلام، وتراه في حالة مزرية والدماء تلطخه، تتبعت إدارة المستشفى الأسماء التي وردت إليها فى اليومين السابقين، لإجراء جراحة زرع القلب والرئة، وكان من بينهم شاب يدعى تيموثي لاميراند- 18 عاماً، قضى نتيجة حادث دراجة نارية في اليوم نفسه، الذي أجريت فيه الجراحة لسيلفيا، وتأكدت من أنه هو المتبرع لها بأعضائه، بعدما عرفت أنه راح ضحية سائق متهور صدمه بسيارته بعد مغادرته بدقائق أحد محال الوجبات السريعة. وبعد عدة أشهر نجحت سيلفيا في الوصول إلى عائلة الشاب المتوفى، وعرفت منهم أن مزاجها الجديد في الطعام، هو نفسه الذي كان يعجب الابن. سجلت سيلفيا حكايتها في كتاب بعنوان تغير القلب، سردت فيه مشاعرها المتناقضة بين ما كانت عليه، وما أصبحت تشعر به، وكيف تغيرت شخصيتها الحريصة دائماً، إلى أخرى مندفعة، حتى مشيتها، قالت إن أصدقاءها لاحظوا تغيراً كبيراً فيها، إذ بدت أكثر جدية من قبل. جامي شيرمان عانت الأمريكية جامي شيرمان عيباً خلقياً في القلب منذ ولادتها، وخضعت لعدة جراحات بالقلب، حتى نجحت في زراعة قلب جديد، أعطاها أملاً في الاستمتاع بحياتها، التي لم تتجاوز 24 عاماً، بعد أيام من زراعة القلب التي وصفها الأطباء بأنها ناجحة تماماً، عانت شيرمان نوبات غضب حادة، ورغبة دائمة في العراك مع أي شخص، ولم تفلح جهود الأطباء في التعرف إلى سر التغييرات الحادة، التي طرأت على شخصيتها الهادئة قبل الجراحة، وبعد أيام أخرى، تغير ذوق شيرمان في تناول الطعام، وبدأت تبحث عن أنواع مأكولات جديدة من المطبخ المكسيكي، الذي لم تتذوقه من قبل، وبعد مرور 6 أشهر على إجراء الجراحة نجحت في الوصول إلى أسرة المتبرع سكوت تيليس 29 عاماً، الذي منحها قلبه بعد ساعات على وفاته. وتعرفت شيرمان من العائلة إلى الصفات الشخصية لابنها لتكتشف أنها نفسها، التى أصبحت تعانيها ، إذ كان تيليس من هواة الطعام المكسيكي، إضافة إلى عصبيته الدائمة، جراء معاناته ورماً بالمخ، أما عن نوبات الغضب، فأرجعت سببها إلى وفاته، إذ قضى بعد شجار بينه وبين آخرين، بعد خسارة فريقه المفضل لكرة القدم في مباراة حاسمة. آيمي تيبينز تغيرت شخصية الشابة آيمي تيبينز 17 عاماً، بعد خضوعها لجراحة زرع كبد، وبعد استيقاظها، بدأت تطلب تناول الهمبرغر، الذي كان محظوراً عليها تماماً، من قبل، بسبب مرضها، والأهم أنها تحولت إلى شخص ناضج، يدرك معنى المسؤولية، وبدأت في البحث عن جمعيات خيرية للتطوع بها، وبعد أشهر تواصلت عائلتها مع عائلة المتبرع، وعلمت أنه مارشال عسكري، يدعى مايك جيمس، وأكدت عائلته أنه كرس وقته بعد تقاعده من الخدمة العسكرية لخدمة المجتمع، وكان صاحب مبادرات إنسانية مهمة، وساهم في تقديم المساعدات للمنكوبين بالكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات التي عادة ما تضرب الساحل الغربي للولايات الأمريكية. شيريل جونسون وتعد البريطانية شيريل جونسون 37 عاماً، من بريستون، أسعد المرضى، الذين كتبت لهم فرص جديدة للاستمتاع بالحياة، بعد حصولها على كلية متوافقة مع أنسجتها بعد سنوات طويلة عانت خلالها متاعب الغسل الكلوي، و عدم تطابق أنسجتها مع عدد من المتبرعين، ولم تقف سعادتها عند تخلصها من المرض، والعودة إلى الحياة، لكنها كانت أكثر سعادة بالتغير الكبير الذي طرأ على شخصيتها بعد زراعة الكلية، إذ أصبحت شخصاً أكثر تفاؤلاً، وبدأت تلاحظ شغفاً خاصاً بقراءة الأدب الكلاسيكي، والمثير هنا أن جونسون، لم تسع إلى معرفة شخصية المتبرع، مشيرة إلى أنها ممتنة له كثيراً، لمنحها الكلية المناسبة، وشغف القراءة الجادة، التي لم تجربها يوماً. وليام شريدان وحتى اليوم يخضع الأمريكي وليام شريدان للمتابعة الطبية في محاولة لفهم ظاهرة الذاكرة الخلوية، إثر تحوله إلى موهبة نادرة في الرسم بعد خضوعه لجراحة زرع قلب وباعترافه الشخصي، أنه لم يكن يوماً من هواة الفنون، ولم يمسك فرشاة أو ألواناً في السابق، وتابع البروفيسور جاري شوارتز من جامعة آريزونا، حالة شريدان لسنوات، ونجح في الوصول إلى شخص المتبرع، ليجده الفنان كيث نيفيل، الذي قضى في حادث سيارة، على أحد الطرق السريعة، وليكتشف أن الشاب المتوفى، كان فناناً واعداً، وكان يعد لمعرض كبير للوحاته. بيل ووهل لم يتوقع رجل الأعمال بيل ووهل، التغير الكبير الذي سيطرأ على مشاعره بعد خضوعه لجراحة زرع قلب، فقد اعتاد ووهل التحدث بلغة الأرقام، والانشغال الدائم في بناء مستقبله في قطاع الإسكان والمقاولات، حتى تعرض فجأة عام 2008 لأزمة قلبية حادة كادت تودي بحياته، لولا طالعه الحسن، الذي وفر له قلباً بديلاً نجح في زراعته، ليبدأ بملاحظة الفرق الكبير الذي طرأ عليه، حيث تحول ووهل إلى شخصية أكثر هدوءاً ورغبة في التنزه وسط الطبيعة، والإبحار بقوارب الكاياك، والمثير هو بكاؤه عند سماع إحدى الأغنيات في الراديو، بالرغم من عدم معرفته بالمغنية، كما كانت المرة الأولى التي يستمع فيها إلى الأغنية، وبعد مرور عدة أشهر على إجراء زراعة القلب، نجح ووهل في التواصل مع أسرة المتبرع، التي أكدت له أن ابنها كان من أكبر المعجبين بالمغنية الأمريكية Michael Brady، التي اشتهرت بأدائها الحزين، ويبدو أن الإعجاب بها، انتقل إليه مع قلب المتبرع. يتزوج أرملة المتبرع وينهي حياته بطريقته نفسها يحتفظ الأمريكى سوني جراهام، بأغرب ذاكرة خلوية، انتقلت عبرها صفات المتبرع إلى المتلقي.. بدأت قصة جراهام عام 1995، وبعد نجاحه في الحصول على قلب جديد أنقذ حياته، أصر على مواصلتها بتفاؤل وإيجابية، كانت مثار إعجاب الجميع من حوله، وبعد تجاوز سوني فترة النقاهة، بحث عن أسرة المتبرع للتعبير عن شكره العميق، وامتنانه لهم، وكانت المفاجأة إعجابه بشيرلي، أرملة تومي كوتيل، صاحب القلب المنزرع، وبعد عدة أشهر بادلته الأرملة الإعجاب، بالرغم من أن فارق السن بينهما تجاوز 3 عقود، وتزوج الثنائي، الذي أثارت قصتهم ذهول وإعجاب الملايين حول العالم، خاصة بعد تخصيصهما كثيراً من أوقاتهما لإلقاء محاضرات توعية بأهمية التبرع بالأعضاء، ودورها المهم في إنقاذ حياة الآخرين. ومع بدايات عام 2008، صدم الجميع بانتحار جراهام عن عمر ناهز 69 عاماً، بإطلاق النار على نفسه في الحلق، وهي الطريقة نفسها، التي قضى بها المتبرع كوتيل قبل سنوات طويلة، وحتى اليوم لم يضع العلم تفسيراً للحادثة. فالندري تحصل على قلب وخبرات المتبرع كانت الصدمة قاسية على الممثلة الفرنسية فاليري فالندري التي تعرضت لمرض بالقلب وعمرها لم يتجاوز 17 عاماً، وهي على أبواب الشهرة والنجومية بعد نجاحها في الحصول على أول أدوارها السينمائية لتغادر ممشى الأزياء الذي حققت عليه شهرة واسعة. بدأت فالندري تعاني تدهوراً كبيراً في صحتها، بعد اعتلال قلبها الذي يعمل بكفاءة 20% فقط، وبدأ اللون الرمادي يطغى على بشرتها في إشارة واضحة لنقص الأكسجين في الجسم، حتى أنقذتها العناية الإلهية بالحصول على قلب متبرع، مع نجاح الجراحة الصعبة التي كانت من أوائل من خضع لها في منتصف الثمانينات في فرنسا، وبعد أشهر النقاهة، اكتشفت في نفسها موهبة الطهي، وهي التي لم تحضر وجبة من قبل، وتحوّلت إلى طاهية ماهرة، ثم بدأت تنتابها رغبة شديدة في السفر إلى الهند، وبالفعل قررت السفر في إجازة استشفاء للاستمتاع بالأجواء الدافئة في الهند، بدلاً من جليد باريس القارس طوال الشتاء، وهناك كانت المفاجأة في انتظارها، إذ راودتها قناعة كبيرة بأنها تعرف هذه الأماكن، وأنها زارتها قبل ذلك، بالرغم من أنها لم تغادر أوروبا من قبل. بعد عودتها إلى باريس نجحت فالندري في التوصل إلى شخصية المتبرع، الذي اكتشفت أنه كان طاهياً ماهراً، وأنه عمل لسنوات طويلة في أحد فنادق مدينة مومباي الهندية، وشاهدت صوراً شخصية له، تشير إلى الأماكن السياحية نفسها التي زارتها، سجلت فالندري تجربتها المثيرة في كتاب بعنوان Love in the blood. ماشفورد يحتفظ بقلب وخوذة المتبرع يعد البريطاني كيفين ماشفورد 38 عاماً، أحدث حالات الذاكرة الخلوية، إذ كان أول طلب توجه به إلى الأطباء بعد إفاقته من جراحة زراعة القلب في مايو/ أيار الماضي، بمستشفى فريمان بمدينة نيوكاسل، هو السماح له بقيادة دراجة.. أثارت رغبته تعجب عائلته قبل الأطباء، لأنه لم يكن يوماً من هواة الدراجات، والمثير أن ماشفورد، لم يتراجع عن طلبه، الذي بدا مصراً عليه إلى حد دفع الأطباء إلى توفير عجلة رياضية في غرفته، مع توصية باستخدامها تحت إشراف دقيق من اختصاصي العلاج الطبيعي. وقبل عدة أعوام عانى ماشفورد عدم انتظام ضربات القلب، وتم زراعة عدة أجهزة لتنظيمها، إلا أنها فشلت في أداء مهامها، حتى تعرض مطلع العام الماضي لسكتة دماغية كادت تودي بحياته. وبعد تعافيه من آثار السكتة الدماغية، سجل اسمه على قوائم انتظار المرضى المحتاجين إلى زراعة قلب، وبعد نجاح جراحة زراعة القلب، تغيرت شخصية ماشفورد، الذي بدا مهووساً بقيادة الدراجات إلى حد أبعد من مجرد الهواية، وبعد عدة أشهر من الجراحة نجح ماشفورد في معرفة شخصية المتبرع، الذي اكتشف أنه دراج محترف، لقي حتفه بسبب حادث سيارة، على أحد الطرق السريعة خلال جولة تدريب صباحية له، وهنا تجاوز ماشفورد حالات الشكر والامتنان العادية التي يدين بها الناجون بفضل أصحاب القلوب البديلة، وقرر بدء حملة توعية للمخاطر التي يتعرض لها الدراجون على الطرق السريعة، والمطالبة بتوفير حارات خاصة بهم، وبدأ من منتصف الشهر الماضي تحدياً كبيراً، لمدة 19 أسبوعاً، حيث يقود خلال هذه المدة الدراجة مسافة 342 ميلاً، بين مدينتي بريستول ونيوكاسل، مرتدياً خوذة جون، الذي قضى نحبه وهو يرتديها، ومنحته إياها عائلته بعد ذلك، ليحتفظ بالقلب والخوذة معاً.

مشاركة :