جريمة عيد الميلاد

  • 8/5/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رجل تجاوز الخمسين من عمره بقليل، قال لمأمور الشرطة إنه يدعى رفعت، وإنه من أسرة فقيرة تفتحت عيناه على الحياة في إحدى القرى الفقيرة ووجد أباه معدماً، وله خمسة أشقاء، ولم يشأ أن يزيد من الأعباء على والده، فنزح من قريته إلى العاصمة بحثاً عن الرزق وعمل في ورشة لتصنيع الأحذية يمتلكها رجل عجوز يعيش وحيداً في الحياة، فليس له أولاد كما توفيت زوجته واحتضنه الرجل وعامله ولم يبخل عليه بشيء وعلمه الصنعة وكيفية التعامل مع الزبائن حتى استبد المرض بالرجل العجوز وأقعده طريح الفراش فلم ينس رفعت المعروف وأدار الورشة بأمانة ونجاح، وكان يداوم على علاج صاحب الورشة وتلبية جميع طلباته، وقبل أن يلفظ أنفاسه أخبره وهو يحتضر بأنه كتب الورشة باسمه، وقدم له عقد بيعها إليه وبعدها مباشرة أسلم الروح وفارق الحياة، وهو يسلمه العقد المسجل في الشهر العقاري. عاش رفعت بعدها أياماً لا يصدق ما حدث، وقام بإجراء بعض التعديلات في الورشة وتحديثها وتطويرها ورزقه الله رزقاً واسعاً، ومرت الأيام حتى جاء اليوم الذي التقى فيه زينب التي حضرت إلى الورشة لشراء عدد من الأحذية النسائية لتتاجر فيها وسلمها الأحذية وترددت عليه بعد ذلك مرات كثيرة وكانت أمينة وصادقة وجادة في تعاملاتها، ومع مرور الأيام تجاذب معها أطراف الحديث وقصت عليه صراعها مع الأيام حتى تتمكن من الإنفاق على أسرتها فقد توفي والدها وترك لها ثلاثة أشقاء صغار لا تنقطع مطالبهم، وكان عليها أن ترعاهم ولمست كلماتها قلبه خاصة أن كفاحها في الحياة كان صورة من كفاحه، كما أعجبه فيها الصدق والأمانة والرغبة في تحدي العقبات، فاختارها شريكة لحياته، وبالفعل تم الزواج وكانت نعم الزوجة المطيعة التي لا همّ لها سوى الاهتمام ببيتها وإسعاد زوجها وأثمر الزواج عن ابنة وثلاثة أولاد، وعاشت الأسرة في سعادة وأمان حتى جاء اليوم المشؤوم، حيث سكن في إحدى شقق العقار المواجه لمنزله شاب يدعى نادر أذاع بين أهل المنطقة أنه طبيب ويسافر يومياً إلى المستشفى الذي يعمل فيه وكان حلو الكلمة عذب الحديث وأعجب به جميع أهل الحي وأحبوه فقد كان يتفانى في علاجهم، ويرفض أن يتقاضى منهم أي مقابل، كما كان في بعض الأحيان يشتري لهم الدواء من جيبه الخاص، ومع ذلك لم تكن تربط رفعت بهذا الشاب أي علاقة، وكذلك زوجته وأولاده لكن في ليلة مشؤومة أصيبت زوجته بآلام في البطن في وقت متأخر من الليل وأحضر أحد الجيران هذا الطبيب الذي قام بالكشف على زوجة رفعت وطلب نقلها إلى أحد المستشفيات نظراً لسوء حالتها وظل يتردد على المستشفى للاطمئنان عليها حتى شفيت، وكان من الطبيعي أن يعتقد أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد وكانت المفاجأة بعد حوالي ثلاثة أشهر حيث فوجئ بزوجته تشيد بهذا الشاب وتسرد محاسنه وتتغنى بمهارته وأنه له الفضل في إنقاذ حياتها، فأصيب بالدهشة فأخبرته بأنه يريد أن يتقدم ليطلب يد ابنتهما للزواج. وقتها شعر بفرحة غامرة فقد كان شاباً وسيماً وطبيباً ناجحاً ينتظره مستقبل عريض وأبدى موافقته وتمت الخطوبة، وكانت ابنته معجبة بالطبيب كل الإعجاب. مرت الأيام وفجأة لاحظ رفعت تبدل مشاعر ابنته تجاه خطيبها الطبيب وتغيرها إلى النقيض، وأصبحت لا تطيق صورة خطيبها وتتهرب من لقائه وتتأذى لمجرد سماع اسمه، وعندما واجهها بهذا التحول أفادت بأنها أصدرت قراراً لا رجعة فيه بفسخ الخطوبة، فحاول معها جاهداً مرات عدة أن يعرف السبب وراء هذا التحول المفاجئ لكن في كل مرة كانت تجهش بالبكاء، والأدهى والأمر أنها تركت المنزل وأقامت مع جدتها وأصرت على عدم العودة، وحاول رفعت أن يعرف من زوجته سر هذا التحول فكانت إجاباتها غير مقنعة، ما زاد من حيرته وبعد أيام عدة وصلت إليه رسالة من مجهول بأن زوجته على علاقة مع عريس ابنته ومع الرسالة وجد صورة لزوجته في وضع مخل مع عريس ابنته، ووقتها عرف سر التغير المفاجئ لمشاعر ابنته. تحامل على نفسه وبدأ يفيق من الصدمة وطوى الرسالة والصورة في جيبه مسرعاً إلى زوجته وعرض عليها الرسالة والصورة فانخرطت في نوبة من البكاء، وأخذت تنفي التهمة عن نفسها، وأمام دموعها المنهمرة وكلماتها المعسولة ضغط على فكره وألغى عقله وأقنع نفسه بكلماتها، وكان ذلك يوم عيد ميلادها، وكان قد اشترى تورتة وهدية احتفالاً بهذه المناسبة ووضع أربعاً وأربعين شمعة رمزاً لعمرها وكانت الساعة تقترب من الثانية عشرة، منتصف الليل، ومصادفة وقعت عيناه على دبلة زوجته فتسمرت عيناه عندما وجد الاسم المنقوش على الدبلة اسم الطبيب، وهنا كاد يصاب بالشلل وعندما واجه زوجته بالدبلة فوجئ بها ترد عليه ببجاحة بأنها تحب نادر، وأنه لم يعد في قلبها مكان لغيره، وبكل صفاقة طلبت الطلاق. لحظتها لم يشعر بنفسه حين أمسك بالسكين الذي كان قد أحضره لتقطيع التورتة وطعنها طعنة واحدة أصابتها في قلبها وتركها مغلقاً عليها باب الشقة. انتقل رئيس المباحث إلى الشقة ووجد جثة الزوجة والتورتة والشمع والدبلة، وأكد الجيران العلاقة الآثمة بين الأم وخطيب ابنتها، وأفادت الابنة بأنها فكرت في قتل أمها لكنها ترددت خوفاً من الفضيحة، كما كشفت التحريات عن مفاجأة مذهلة هي أن نادر الذي اختفى عقب علمه بما حدث لم يكن طبيباً بل كان نصاباً يعيش من عرق السيدات اللاتي يكبرنه سناً، وكان يبتز أموال المجني عليها وأن الزوجة القتيلة كانت تعلم ذلك، ومع هذا أدخلته بيتها بحجة خطبة ابنتها حتى يكون بجوارها. أحيل المتهم رفعت إلى النيابة وأعاد اعترافاته فأمرت النيابة بحبسه على ذمة التحقيق وأحالته إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد، وعدلت المحكمة التهمة إلى ضرب أفضى إلى موت وعاقبته بالسجن 3 سنوات، نظراً للظروف التي أحاطت بالجريمة وتصرفات المجني عليها نفسها التي أكدتها تحريات المباحث وتحقيقات النيابة.

مشاركة :