التفكير السليم.. فريضة إسلامية

  • 8/5/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

د. أحمد فؤاد باشا يقول الله تعالى في قرآنه الكريم: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُم وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. التعبير القرآني المعجز يدلنا على حقيقة العلاقة بين العلم والإيمان، فالعلم يتبعه الإيمان بلا تعقيب، والإيمان تتبعه حركة القلوب من التجلي والخشوع لله تعالى، وهكذا يثمر العلم الإيمان، ويثمر الإيمان الإخبات والتواضع لله رب العالمين. والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في آيات أخرى كثيرة، تكررت فيها العبارات الموقظة للفكر من غفلته والمحررة للإنسان من تقليده وجموده، مثل أفلا تعقلون، أفلا تتفكرون، أفلا تنظرون، أو لم ينظروا، أو لم يتفكروا، لقوم يعقلون، لقوم يعلمون، لقوم يتفكرون. ولا شك أن القرآن الكريم من خلال حثه المتكرر على النظر والتفكر والتعقل، قد جعل ممارسة البحث العلمي السليم في مختلف مجالات المعرفة فرضاً لازماً على المسلمين، فالإسلام كما فرض على الناس أن يتعبدوا، فرض عليهم أن يتفكروا. وصدق الرسول الأمين حيث يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم، ولعل هذا التصور الإسلامي عن العلم ورسالته كان في خاطر الأستاذ العقاد رحمه الله عندما صنف كتابه القيم التفكير فريضة إسلامية. ويأبى الإسلام إلا أن تقوم العقيدة على أساس العلم الصحيح، وليس على أساس التقليد أو الظن أو التسليم الأعمى، ولذا رد القرآن الكريم مزاعم المشركين في آلهتهم بقوله: مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا، كما عاب على الذين يقولون بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ورد عليهم بقوله: ...أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ، وصاح في أصحاب العقائد الباطلة: ... قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، وفرض على أتباعه أن يتفكروا ويسعوا إلى طلب العلم، مثلما فرض عليهم أن يتعبدوا ويتوجهوا إلى بارئهم طلباً للرضا والغفران. وعقيدة الإسلام باستنادها إلى العلم الصحيح تؤكد قوتها وحجتها، ولا تخشى أن يأتي العلم بنتائج تناقض حقائق الدين ومسلماته وأصوله الثابتة، فالحق لا ينقض الحق أو يعارضه. وتأسيساً على هذه المعاني يكون العلم في المنظور الإسلامي طريقاً إلى الإيمان على هدى وبصيرة، ويكون البحث العلمي مرتبطاً دائماً بإرادة الله سبحانه وتعالى التي تكفل لنا استمرارية السنن الكونية واطراد حدوثها لنراقبها وندركها وننتفع بها في حياتنا، بعد أن نتعرف إلى طبيعة سلوكها ونستدل بها على قدرة الله ووحدانيته، مصدقاً لقوله تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ. إن وجود الخالق سبحانه وتعالى حقيقة ثابتة، والإيمان الخالص به أمر فطري في الأنفس النقية، ومن هنا يمكن القول إن أول شعور يشرق في أعماق الإنسان إذا تأمل في نفسه وفي الكون من حوله، هو شعوره بوجود قوة كبيرة مهيمنة على الكون والحياة تراعيهما وتدبر حركتهما، وتتصرف كما تشاء في كل ما يجرى فيهما من أفعال حكيمة. وحسب الإنسان في إيمانه واعتقاده بشيء ما، أن يوافق شعوره الفطري وإحساسه الطبيعي النتائج التي يتوصل إليها الباحثون وفق منهج علمي سليم. والبحث العلمي، إذا ما تجرد عن الهوى والتعصب فإنه لا بد أن يصل بالباحث إلى نتائج من الواقع الكوني توافق إحساس الفطرة الصادقة، وتوصل إلى الإيمان بالله تعالى وبصفاته الجليلة وبكل مبدأ قرره الدين الإسلامي الحنيف. ولقد اعتقد بوجود الله تعالى علماء وفلاسفة كثيرون بعد أن نهجوا منهجاً علمياً سليماً في فكرهم العقدي تلبية لحاجتهم الفطرية والعقلية معاً، وبعيداً عن أوهام الفلسفات الإلحادية المضللة. ودونما استطراد في سرد أقوال العديد من العلماء الحقيقيين وليس المشتغلين بالعلم، فإننا لا نملك إلا أن نسجد شكراً لله الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وأن نحمده جل وعلا على أن وهبنا نعمة الإسلام.. رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ. afhasha@gmail.com *النائب السابق لرئيس جامعة القاهرة

مشاركة :