ينطوي كتاب السياسات الخارجية الأوروبية، الصادرة ترجمته العربية عن المركز القومي للترجمة، على أسئلة ملحة عن مستقبل أوروبا، أوروبا التي يمكن أن تكون أكثر من مصدر تأثير كبير في النظام العالمي، فلماذا هي ليست كذلك؟ أوروبا ينبغي أن تتحمل المزيد من المسؤولية عن السلام والأمن العالميين، فلماذا لا تفعل؟ الأوروبيون يجب أن يفهموا أن مصلحتهم تكمن في السعي نحو نفوذ عالمي أوسع، والتزامات كونية أكثر قوة، فلماذا لا يفعلون؟ يهدف هذا الكتاب الذي ترجمه إلى العربية طلعت الشايب إلى تقديم الأرضية الجيوسياسية والتاريخية اللازمة لفهم تأثير أوروبا العالمي في القرن الحادي والعشرين، وهو مفيد لأساتذة التاريخ كمنهج مستقل لدراسة السياسة الخارجية أو السياسة المقارنة الأوروبية، كما يلقي نظرة فاحصة من منظور واسع، ويضم فصلاً عن الدول الأوروبية الأكثر نشاطاً في مجال العلاقات الخارجية، وعن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فصول أكثر شمولاً عن علاقات أوروبا بكل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين والشرق الأوسط، وعن أوروبا والعولمة. أوروبا اليوم من بعض الجوانب قوة إقليمية في النظام العالمي، ولكن إذا كان ذلك واقعاً وأساساً بالمعنى الجيواستراتيجي، فمن الصحيح كذلك أن الاتساع الجغرافي لأوروبا والثقل الجيوسياسي في القارة الأور- آسيوية قد تزايد مع الاتساع الكبير للاتحاد الأوروبي من ست دول في البداية في 1958، إلى 27 دولة في عام 2009، وفي ظل نظام اقتصادي ومالي معولم، فإن منطقة الاتحاد الأوروبي ذات الإنتاج المحلي الكبير في العالم، والكثير من الأسواق المالية وأسواق العمل الأهم في العالم قد عادت، سواء أحبت ذلك أم لا، إلى نظام دولي تنافسي، أصبح للسعي إلى المصلحة الاقتصادية الذاتية فيه سياسة خارجية جديدة. أما كيف سيكون تعرف الأوروبيين إزاء هذه المنافسات المتداخلة فليس واضحاً أبداً، البندول التاريخي لصعود وسقوط الإمبراطوريات والدول حقيقي، وفي الوقت نفسه فإن قدرة الدول القديمة على التجدد وخلق هياكل سياسية جديدة أصبحت أقل، وأوروبا هي أهم حالة دراسية في هذا السياق. يشير الكتاب إلى أن عملية التكامل الأوروبي بالغة الأهمية من أجل تطوير الحياة السياسية العالمية، وذلك لأنها عملية طوعية أو ديمقراطية لاتحاد دول أدركت أنها ذات مصير مشترك، الاتحاد ليس إمبراطورية، بل ينبغي أن يوصف باعتباره شبه دولة، أو دولاً.
مشاركة :