يقول الباحثون في الأخلاق: «إن الفكر الأخلاقي واكب نمو المجتمعات الإنسانية الأولى، وظهر بصورة عفوية بدافع التفكير في أمور الحياة اليومية، فكان فكرا عمليا في أول الأمر، ثم خطا نصف خطوة عندما ظل مرتبطا بالواقع من جهة ومتطلعا إلى المثل الأعلى من جهة أخرى». نصف الخطوة هذا المتطلع إلى المثل الأعلى بقي طويلا، أي منذ الاجتماع البشري الأول حتى عصر الأنوار، وما فعله الفلاسفة قبل ذلك مثل البحث في العدالة والفضيلة وبعض صفات السلوك لم يحرك الحياة الأخلاقية إلى الأمام، وقد تذهل حين تقرأ أن أفلاطون نفسه الذي بحث العدالة والفضيلة ووضع للسلوك البشري تقسيمات حتمية، كان يجيز دفن الأطفال المشوهين وأبناء الأفراد الفاسدين في المجتمع وهم أحياء. السؤال ليس هنا.. إنه في الكيفية التي نميز فيها بين الأخلاق الحقيقية والمزيفة.. وهل الأخلاق التي لا تنبع عفويا من الضمير، بل من دافع آخر خارج الذات، تعتبر مزيفة؟ والسؤال الأشد خطورة هل يمكن أن تكتمل الأخلاق في عصر ما بحيث يقف سلم الأخلاق عن الصعود أو نهر الأخلاق عن الاطراد؟ الأخلاقيون يعتقدون أن ما يصدر من أفعال الإنسان بدافع خارجي كالخوف من العقاب أو الطمع في الثواب إنما هو خلق مزيف، في المقابل فقد وقف شيخ الإسلام ابن تيمية ضد المقولة الصوفية المنسوبة خطأ إلى الإمام علي «رضي الله عنه»: «إلهي ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك ولكني وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك» فقد قال في فتاواه: «قال بعض السلف: من عبده بالحب وحده فهو زنديق ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري– أي خارجي– ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن موحد». ترى: ما رأي علماء النفس جميعا في قول شيخ الإسلام هذا الذي لم يدع عينا من عيونهم إلا ذر فيها عمى لا رمادا فقط؟! هل يمكن أن تكتمل الأخلاق في عصر ما؟ الأخلاق تابعة لنمو المعرفة فهي إذا اكتملت في عصر ما فهذا ناشئ من المستوى المعرفي وسقفه في ذلك العصر لا توقفها عن النمو.. ومعنى هذا أن ما يدعيه المتأملون من أن السلام كفل حقوق الرجل والمرأة هو ادعاء صحيح في حدود ذلك العصر.. ومعناه ثانيا أن الإسلام لا يمنع من تطور الأخلاق.. وهذا ما هو حاصل بالفعل.
مشاركة :