مسألة الرجم في الفكر الإسلامي الحديث

  • 8/6/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أثار حديث الداعية الإخواني يوسف القرضاوي الأخير عن نسخ حكم رجم الزاني المحصن، الجدل مجدداً حول هذه القضية الشائكة ما بين مؤيد لما نسبه القرضاوي إلى الشيخ محمد ابو زهرة عن أنه لا رجم في الإسلام، ومعارض يرى أن الرجم لم ينسخ... والمحصن هو من تزوج وغير المحصن هو الأعزب. كان القرضاوي قد حل ضيفاً في رمضان الفائت على برنامج «مراجعات» الذي يقدمه القيادي الإخواني عزام التميمي عبر فضائية «الحوار» وفي إحدى الحلقات أعاد ما كان قد كتبه في مذكراته عن أن الفقيه والعلامة المصري الراحل الشيخ محمد أبو زهرة فجر قنبلة عام 1972 في ندوة التشريع الإسلامي المنعقدة في مدينة البيضاء بليبيا، وقال: إني كتمتُ رأياً فقهيّاً في نفسي من عشرين سنة، وكنتُ قد بُحت به للدكتور عبدالعزيز عامر، واستشهد به قائلاً: أليس كذلك يا دكتور عبدالعزيز؟ قال: بلى. وآن لي أن أبوحَ بما كتمتُه، قبل أن ألقَى الله تعالى، ويسألني: لماذا كتمتَ ما لديك من علم، ولم تبينه للناس؟ هذا الرأي يتعلق بقضية «الرجم» للمحصن في حد الزنا، فرأى أن الرجم كان شريعة يهودية، أقرَّها الرسول في أول الأمر، ثم نُسخت بحد الجلد في سورة النور»... وأشار القرضاوي في مراجعاته إلى أنه يتفق مع أبي زهرة، لكنه يرى أن الرجم يؤخذ به تعزيراً والجلد حداً. والحقيقة أن ما قاله الداعية الإخواني يحتاج إلى ضبط في مسألتين: أولاً: ما قاله أبو زهرة - وفق رواية القرضاوي - ليس جديداً بل قيل قبل ذلك وأثير حوله جدل في مصر استمر حوالى 20 عاماً، ووصف كلام أبي زهرة بالقنبلة سببه جهالة القرضاوي بالجدل المحتدم والذي شهدته القاهرة في الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن المنصرم. أول من قال لا رجم في الإسلام هو الأديب والمفكر المصري الكبير عباس محمود العقاد. وفي ما يلي تلخيص لقصة نفي العقاد للرجم: في عام 1947 نشر الأستاذ العقاد كتاب «الفلسفة القرآنية» وخصص فصلاً كاملاً عن العقوبات في الإسلام وقال نصاً عن عقوبة الزنا: أما الزنا فعقوبته على المحصنة والمحصن مائة جلدة «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ * وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ * وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» وتثبت جريمة الزنا بشهادة 4 عدول مجتمعين فإن تخلف واحد منهم بطلت شهادة الآخرين ولا يقام الحد».... ويمضي العقاد: إلا إذا شهدوا جميعاً بوقوع الفعل لا بمجرد الشروع فيه ولا حد على من لم يبلغ الحلم ولم يدن بالإسلام ولا حد كذلك مع قيام الشبهة وعلى القاضي لدفع كل شبهة في الإكراه أن يراجع المقر بالزنا أربع مرات وأن يستثبت من وقوع فعل الزنا فيسأله: لعلك قبلت؟ لعلك عانقت؟ لعلك لمست؟... حتى يصر على الإقرار بعد تكرار المراجعة والسؤال... فإن عدل عن قراره سقط عنه الحد وجاز أن يعاقب تعزيراً». وواضح من النص المنقول أن العقاد يرى أن عقوبة الزاني المحصن الجلد وليس الرجم، لكن بمجرد ظهور الكتاب أثيرت ضجة هائلة واعتراض كبير من بعض الأزهريين فاضطر العقاد في الطبعة الثانية أن يضيف هامشاً قال فيه: هذا الكتاب مخصص للحديث عن الفلسفة القرآنية وهناك تفصيلات أخرى يرجع إليها في كتب الحديث والفقيه... لكن هذا الهامش لا يغير من كلام العقاد شيئاً وواضح أنه أضافه ذراً للرماد في العيون ليبتعد عن الصدام مع الأزهريين. لكن في كانون الأول (ديسمبر) 1963م كان العقاد واضحاً وحاسماً فأعلن رفضه التام لحد الرجم غير ملتفت للمرويات الموجودة في كتب السنة أو الفقه التي تتحدث عن رجم المحصن وذلك من خلال مقالة في جريدة «الأخبار» بتاريخ 18 كانون الأول 1963م رداً على سؤال وجهه إليه أحد شيوخ الأزهر. وهذا نص السؤال كما نقله العقاد: تعليقًا على خطاب العالم الفاضل الأستاذ محمد محمد الدهان وكيل معهد المحلة الكبرى، حيث يقول بعد التحية الإسلامية الكريمة: جاء في كتابكم القيم - الفلسفة القرآنية - عند الكلام على العقوبات صفحة ٩٥ ما يأتي: «أما الزنا فعقوبته على المحصنة والمحصن مئة جلدة». ولما كان هذا الحكم مخالفًا لما قرره أهل العلم عامة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في جميع الأزمنة والأمكنة من أن عقوبة الزانية المحصنة والزاني المحصن الإعدام رميًا بالحجارة، وأن عقوبة الزاني غير المحصن والزانية غير المحصنة مائة جلدة، ولم يشذ عن ذلك سوى الخوارج وبعض المعتزلة فقد تخيلت أنه سقط من كلامك كلمة «غير» بين «على» و«المحصنة» وعليه يكون نظم الكلام. إلى أن قال: إنني أرجو أن يكون ما تخيلته صحيحًا وإلا فأرجو تصحيح الحكم حتى يكون الناس على بصيرة من أمر دينهم». في الجزء الأول من إجابته على الاعتراض شرح العقاد أنه قال ذلك لأنه كان يتحدث عن الأحكام الواردة في القرآن بحكم أن الكتاب مخصص للفلسفة القرآنية فقال: الأستاذ الفاضل يعلم أننا ألفنا الكتاب في الفلسفة القرآنية ووقفنا عند نص الكتاب في ما جاء من سورة النور: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِر» وهذه آية من آيات الكتاب لم يَرِدْ فيه ما ينسخها؛ لأن الآية تنسخها آية كما جاء في سورة البقرة «مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا». ولقد نبهنا إلى موضوع الكتاب غير مرة في أثناء فصوله وأعدنا التنبيه بعد إيراد عقوبة الزنا بخاصة، فقلنا في هامش الطبعة الخاصة (صفحة ٨٧) هذا ما ورد في القرآن الكريم وهو موضوع هذا الكتاب — الفلسفة القرآنية — ويُرجع إلى تفصيلات هذا الحكم في كتب الأحاديث وكتب الفقه وسبق مثل هذا التنبيه في الصفحة ١١٩ من الطبعة الشعبية، وإن كان الموضوع غنياً بذاته عن التنبيه». لكن في الجزء الثاني من الإجابة يرفض العقاد بوضوح تام وقاطع أن ينسخ حديث آية قرآنية لم يذكر القرآن نسخها، ثم ذكر دليلاً آخر أن القرآن قال إن العبد المحصن عقوبته نصف عقوبة الحر المحصن والرجم لا يمكن تقسيمه، ومن ثم فالعقوبة هي الجلد لا الرجم، فقال: ولا يخفى على الأستاذ الفاضل أن أحكام الكتاب لا يجوز فيها الخلاف، لكن روايات الأحاديث وأخبار الرواة من الأفراد وغير الأفراد قد يقع فيها خلاف كثير وقد جاءت الإشارة إلى حكم الجَلد في آية أخرى من قوله تعالى في سورة النساء عن الإماء (فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) ونصف عدد الجلدات مفهوم، وعليه يدور موضوع الكلام في كتاب الفلسفة القرآنية. إذاً العقاد هو أول من نفى الرجم وواضح أن الموضوع أثار جدلاً وصل إلى الصحف اليومية، والعقاد لم يكن كاتباً مغموراً حتى يُجهل رأيه بل الظن الراجح أن أبا زهرة اعتمد على الكلام السابق وأخذ يبحث عن أدلة تؤكد هذا الكلام بل إن أبا زهرة نفسه اعتمد على آية «فإذا احصن» كما فعل العقاد. ثانياً: ما قاله القرضاوي عن أنه يرى أن الجلد حد للزاني المحصن وجواز الأخذ بالرجم تعزيراً يحتاج إلى مراجعة لأن معنى «التعزير» في كتب الفقه التقليدية أمران: أولهما: هناك تعزير للجرائم التى لم يرد فيها حد قطعي مثل: الجاسوسية واللواط على سبيل المثال. فهنا العقوبة تعزيرية بمعنى أن وليّ الأمر يُقدر ما تستحقه من عقوبة وله أن يصل بالعقوبة إلى القتل- الإعدام - فلولي الأمر مثلاً أن يقول بإعدام الجاسوس وله أن يقول بسجنه. ثانيهما: التعزير في الجرائم التي حدد لها الشرع عقوبات مثل الزنا والسرقة وغيرها، فهذه إذا لم تستكمل أركان إثبات الجريمة فلولي الأمر أن يقول بتعزير المتهم، لكن بشرط ألا يصل بالتعزير إلى العقوبة المقررة أو إلى القتل. وبمعنى أوضح إذا زنى شخص وشهد ثلاثة أشخاص وقامت البينة عليه فليس لولي الأمر أن يجلده بل يعزره. وهذا التعزير لا يصل إلى الجلد أو القتل لأن التعزير يكون أقل من العقوبة. هكذا تقول كتب الفقه.

مشاركة :