كل من راقب الوضع السوري سيجد أن الثورة السورية أفسدتها داعش، علاوة على تفكك الفصائل السورية التي صارت فيما بعد تتناحر فيما بينها باسم الدفاع عن الثورة؛ فقد كان الجيش الحر والثوار السوريون يضربون عمق النظام في دمشق حينما كانت الغاية واحدة والصف مرصوص والعدو واضح للعيان، وكانت بعض الضربات تصل مواقع حكومية حساسة، لكن عندما دخلت داعش على الخط، أشغلت الثوار بأنفسهم وتسلطت عليهم، وصارت تحتل مواقعهم التي يغنمونها من النظام، كما أنها كانت تشترك مع بعض قوات النظام لمحاصرة بعض مواقع الثوار كما هو معلوم ومُلاحظ، علاوة على ما تقوم به من بعض العمليات ضد الجيش السوري النظامي لذرّ الرماد في عيون البسطاء من الناس كونها حركة إسلامية تقف مع المستضعفين، وذلك لكسب المغرر بهم من الشباب المتحمس. من لم يستطع استيعاب ما كانت تفعله داعش في الشام، لا أظنه سيغفل عما تفعله في المملكة العربية السعودية، حيث سلطت مجرميها على المساجد، ولم يقف بها الاستهتار من التطاول على مسجد الرسول – عليه الصلاة والسلام – في آخر العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك. هذه الأعمال وما سواها من تجاوزات اتضحت كذلك في العراق منذ احتلالها الموصل، رغم أن العرب والإعلام العربي استبشروا بحركة ثورة العشائر وشعب العراق التي هي ثورة شعبية مشروعة لمقاومة محتل وصدّ تجبّر الظالمين على رقاب العباد، فحريّ بمن يسقط كل هذه المواقع بين عشية وضحاها أن يزحف لدخول العاصمة كمحصلة طبيعية لهذا السقوط المدوي، لكن داعش توقفت لأنه مطلوب منها أن تبعثر الأوراق وأن تحدث الإرباك في المنطقة، وها هي الآن تضرب في أفغانستان في مسرحية مكشوفة وواضحة، والغريب في كل هذا التحرّك أن داعش قفزت لتصدر المشهد أو تمّ تقفيزها لتتصدر واجهة الأحداث رغم أنها فصيل من فصائل الثوار كما يقول المراقبون المعنيون بالأحداث، وحينما رأت تردد المجتمع الدولي بالشأن العراقي أعلنت ما يُسمى بدولة الخلافة لخلط الأوراق من أجل أن يسارع الغرب للتدخل من أجل جعل المنطقة ساحة للمشكلات والاضطرابات أكثر مما هي الآن، والعجيب الغريب كذلك في أمر داعش التي كانت على مشارف أولى القبلتين وثالث الحرمين، حينما قامت ببعض العمليات بالقرب من درعا في منطقة حوران السورية تركت إسرائيل في الغرب واتجهت شرقًا، ولا أظنها ستمتد لإيران مهما كانت الضربات عليها موجعة؛ لأن دورها سيكون لا سمح الله في الجنوب؛ حيث دول الخليج، وهذا ما دفع حكومة المملكة العربية السعودية للانتشار؛ حيث استوعبت الدور منذ الوهلة الأولة، فقامت بملء الفراغ الجغرافي على حدودها مع العراق استعدادًا لأي طارئ لا تحمد عقباه. إن ما قاله مصطفى الفقي في كتابه محنة أمة قبل 14 سنة إن أمريكا لم تعد أمريكا التي نعرف، وإن أصدقاءنا الأمريكان تغيّروا علينا، ها هو يبدو أمامي هذا التغيّر رغم أنني قرأت ذلك الكلام في حينه؛ إذ ظهرت بوادر هذا التغيير مع ما يُعرف بالفوضى الخلاقة التي بشّرت بها كونداليزا رايس في 2004 مـ، ومن ثم انكشف بجلاء مع ما أطلق عليه الرئيس أوباما اسم الربيع العربي في أوائل عام 2011م. إن القوى الأجنبية والمنضويين في ركاب هذه القوى من بني جلدتنا الذين فشلوا في زرع ثورات في دول الخليج العربي، ها هم الآن يسعون للإتيان بالبلبة من الخارج بمسميات جديدة ووجوه جديدة من مطالبين بالحرية والديمقراطية إلى ساعين لإعلان الخلافة وإقامة دولة إسلامية، وهذا مُشاهد لكل من ألقى السمع وهو بصير.
مشاركة :