وعي الكراهية والفوضى غير الخلاقة عربياً

  • 6/18/2014
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي في نيسان (ابريل) 2005 بشرت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في عهد جورج بوش الابن بالفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط، أي إطلاق الحرية ووأد الاستبداد بعد بشائر الربيع العربي الأولى مع سقوط نظام صدام حسين العام 2003، والذي توقعنا معه سقوط دعاوى الشمولية السياسية، والتي ما دام أنها أصل الشمولية الدينية، فالأخيرة أيضاً لا بد أن تسقط في حمأة الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) وسقوط طالبان سنة 2001. على رغم دلالة الفوضى سلبياً، فتوصيفها بالخلاقة، سكّته رايس بمعنى تحرر الحريات الفردية من الذهنيات الاجتماعية، والطاقات الإبداعية من البنى التقليدية، والمواطنة من الانتماءات الأولية. ولعل هذا ما بشرت به الثورات الشعبية العربية في تونس ومصر وغيرهما فكانت وعداً بربيع عربي ديموقراطي، حيث هتفت شعوبنا لأول مرة من أجل الحرية والديموقراطية، وحمّلت الاستبداد المسؤولية عن مشاكلها التنموية والاجتماعية والطائفية، الداخلية والخارجية، وعزمت على طلاقه طلاقاً بائناً. وقد نجح الإجماع الثوري السلمي في مصر وتونس، وتشتتت المعارضة السورية قبل أن تنجح، وتمت عسكرة ثورتها بفعل النظام ودمويته، كما تعسكرت ثورة ليبيا واليمن ولم يكن الحل إلا خارجياً عسكرياً وسياسياً. حين نجح وقود الطلب على الحرية في اقتلاع الاستبداد واسترداد الشرعية للشعب، كان ذلك بشيراً بفوضى خلاقة، ولكن سريعاً بعد إسقاط النظام حضر الصراع على السلطة والفرز السياسي والأيديولوجي والنزعة الاستحواذية لدى التيارات الكبيرة كالإخوان والنهضة في مصر وتونس وليبيا وغيرها، كما أعاق نجاحها في سورية تعدد ممثلي الثورة المبكر وترددهم بين الإصلاح والإسقاط والداخل والخارج، حتى اقتنص النظام تشتتها واقتنص الجهاديون كـ «داعش» فرص عسكرتها، ودخلوا على الثورة بمفاهيم دولتهم الخاصة، فكانوا فزاعة مناسبة استخدمها النظام حتى قبل أن توجد. كانت ثورات مدنية ولكن أفشلها وأعاقها النزوع لدى التشتت والفوضى والذاتية المفرطة لكثير من القيادات والقوى المدنية، فتحولت من موقع الهجوم الى موقع الدفاع، وصار الجدل في بلدان كمصر وتونس وليبيا من قبيل: هل الديموقراطية إيمان أم كفر؟! وهل يجوز استخدام مفردة المدنية في المنتوجات الدستورية الأولى لثورات مدنية؟ وتحول شعار «المشاركة لا المغالبة» بين التنظيمات القديمة والجديدة إلى مغالبة فقط، وتمددت التنظيمات المتشددة تجتذب الجماهير وتنشط في تكوين ملاذاتها الآمنة، محتكرة الشرعية ومكفرة الثوار والثورة. وفي سورية نجح بشار الأسد في تحويل الثورة الى طائفية حين اجتلب الجهاديات الطائفية الموالية له كـ «حزب الله» ولواء أبي الفضل العباس والكرار وغيرها، والتي تبلغ العشرات فاستجلبت معها مضاداتها وردود الفعل عليها كالنصرة وداعش وغيرهما، وبينما لم تستهدف الأخيرة النظام مرة فإنها راحت تستهدف الثورة وفصائلها، فكانت استفادة النظام من وجودها كبيرة، بينما خسارة الثورة بوجودها فادحة. صرنا أمام مشهد من فوضى غير خلاقة، تصاعد فيه العنف الطائفي والاجتماعي والسياسي واللاأخلاقي، ولم نبدع فوضى خلاقة بالمعنى الديموقراطي، لأن شرطها الحداثي والثقافي غائب، كوننا مسكونين بوعي الكراهية، التي تتضح بقوة في مشهدَي التشدد والاستبداد الديني والطائفي الواسع. ومجدداً تقدم الطلب على الدولة على مطلب الحرية بعدما خشيت الشعوب الفوضى المسلحة وآثارها في الدولة والمجتمع. وبفعل وعي الكراهية الانتقامي لم نرتق الى المصالحة فتهددت وحداتنا الوطنية واشتعلت كل نزوعاتنا الطائفية والمذهبية والجهوية تهدد وتشرخ ما صنعته الثورات من إجماع في مراحلها الأولى، أو وعودها المنسية. والأخطر أن وعي الكراهية خدعنا ودفعنا إلى أن نحمّل الآخرين كل المسؤولية، وبخاصة الخارج الذي لم يظهر لدينا إلا متهماً بمؤامرة، حتى صار فشل الثورات من مؤامرته، وصارت الثورات نفسها مؤامرته. إن وعي الكراهية يجعلنا نتخلى عن كل مسؤولية، وتكون فوضانا عنيفة وغير خلاقة، تهدم دائماً ما نبنيه. * كاتب مصري

مشاركة :