جيل الألفية الثالثة يغني في متاهات العولمة

  • 8/7/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

التهجين الثقافي واقع العصر وسمة العولمة الأكثر بروزاً. حيثما نظرت ترى انكسار السياق المحلي للإبداع لحساب الطفرة السائدة عالمياً، خصوصاً طفرة موسيقى «الروك» على اختلاف أنواعها وتعدد أنماطها. في الصين، في اليابان، في الهند، معاقل شرقية ذات عمق تاريخي عريق وجذور بعيدة الغور في الذهن والمخيلة والفولكلور، مع ذلك غزاها إيقاع الطبل والصنوج وزعيق الميكروفونات الضخمة، مكللة بالمطربين الصارخين عالياً فأعلى، تجاوباً مع رغبة جمهورهم اللحاق بالوجه الاستهلاكي للعصر الحديث. وما تلك الموسيقى سوى طفرات انفعالية ذات منحى نسخي تنأى عن جذورها الأصيلة، مهاجرة الى اعتاب الآخرين، كما تهاجر طيور ضالة الى أقرب ملجأ دافئ. نسبة الى كثر، ثمة شطط محزن في تجربة «مشروع ليلى» المتطابقة مع تلك الموسيقى، بل ثمة «ملغصة» فنية بارعة الديكور والبهرجة، خالية من أي إضافة تستحق الاهتمام. لكن هذا لا يلغي ضرورة التوقف عند «المشروع...» كظاهرة. في شباط (فبراير) 2008، نشر عازف الكمان هايغ بابازيان وعازف الغيتار اندريه شديد وعازفة البيانو امية ملاعب دعوة للبحث عن فضاء للتنفيس عن ضغوط الجامعة (الأميركية في بيروت) والوضع السياسي القائم في لبنان. تجاوب سبعة طلاب مع الدعوة بينهم المغني حامد سنو. في السنة نفسها، ظهرت الفرقة في مهرجان الموسيقى الذي تنظمه بلدية بيروت ونالت تمويلاً لألبومها الأول على رغم الجدل الذي أثارته جرأة كلمات أغانيها. وبعد سنة تقريباً، احتفل الشباب بإنتاج الألبوم في باحة مصنع للحديد في برج حمود أمام أكثر من الف شخص، ما حضّ مهرجانات جبيل على قبول مشاركتهم في أعمال 2010 حين قدموا مجموعة أغنيات جديدة عنوانها «الحل الرومانسي». وفي السنة التالية بعلبك... وكرّت السبحة بسرعة مذهلة: باريس، لندن، امستردام، تونس، جنيف، دبي، نيويورك وغيرها... من دون عقبات تذكر، حتى وصلوا الى عمان لتقديم عملهم الأخير «ابن الليل» في المدرج الروماني. هناك، تقدم النائب في البرلمان الأردني بسام البطوش بطلب لمنع حفلة «مشروع ليلى» بحجة احتوائها على ترويج أفكار غريبة عن الثقافة العربية والاسلامية، وتطرقها الى مواضيع جنسية ومثلية ودعوتها الى الثورة على الحكومات... ووجود شبهة عن علاقتها بعبادة الشيطان! ما أدى الى صدور أمر بمنعها النهائي من العمل في كل الأراضي الأردنية. انطلق «مشروع ليلى» من حاجة شبابية الى التنفس والتعبير خارج الأطر المألوفة، ملفوحة بروح التمرّد على أنماط مجتمعية متعسفة ضد حرية التعبير، خصوصاً الجنسية، وعلى رأسها حرية المثليين. وامتلأت أغانيهم بإشارات وتلميحات وتوريات تدعو الى تحرير المكبوتين والممنوعين من إشهار أفضلياتهم وممارستها من دون تعريضهم للسجن والاضطهاد. رافق تلك الدعوة نقدات سياسية مكرورة لا جديد فيها، وليس في المستوى الفني لكلماتها ما يلفت النظر، بل يعتورها الكثير من الهزال والضعف والركاكة. إذاً ما سرّ النجاح الكاسح والسريع الذي لقيته الفرقة؟ أولاً، إنها الموسيقى المنحولة عن العجيج الرائج عالمياً حيث تلعب تقنيات عرض مشهدي غني بألعاب الليزر وشرائح الإضاءة دوراً بصرياً ساحراً يستثير المخيلات المنكبة ليلاً ونهاراً على حواسبها وهواتفها. ثانياً انه الدعم الترويجي الخارجي لنصرة «مشروع ليلى» من فرق الروك المثلية، وتهافت مجلاتهم وشاشاتهم حول العالم الى الاحتفاء بـ «الإخوة اللبنانيين»... ثالثاً، لم يعد ارتباط زياد الرحباني بموروث غنائي مـتأصل في هويته ولا عناد مارسيل خليفة على موقفه السياسي وشغله الرائد في مجال العود ضمن خيارات جيل الالفية الثالثة، فهم يفضلون النواح راقصين هازجين في متاهات العولمة، ويؤثرون التماهي مع أترابهم المهللين للروك على الإصغاء الى التخت الشرقي والناي. بعد «هيصتهم» الصاخبة في مهرجانات جبيل مساء أول من أمس، سألت ثمانية شبان وخمس فتيات اذا فهموا ما كانت تقوله كلمات حامد سنو، لأنني مثل معظم الحاضرين لم أستطع فهمها فقال شاب: «أنا حافظ شوي» ولاذ الآخرون بوجوم مفاجئ كأنهم اكتشفوا أمراً في غاية الغرابة. فالواقع ان حامد يمطّ ويمضغ كلماتها كيما تواتي لحناً الا يمت اليها بصلة، فتبدو اللغة العربية على لسانه سواحيلياً منفوخاً من بوق مزكوم!

مشاركة :