توالت، خلال الشهر الماضي، مبادرات مواجهة تعثر المشاريع الحكومية، فمن ندوة معهد الإدارة العامة بالرياض عن «واقع الفساد الإداري وسبل التغلب عليه»، إلى مبادرة منتدى الرياض الاقتصادي حول «دراسة الفساد الإداري والمالي الواقع والآثار وسبل الحد منه»، وصولا إلى مقترح لجنة الشؤون المالية بمجلس الشورى المتضمن تعديل 16 مادة من نظام المنافسات والمشتريات الحكومية. تعددت الدراسات والمبادرات والفساد واحد، لكن ــ بداية ــ لا بد من القول إنها ظاهرة صحية أن تتوجه الجهود، وليتها توحد، لمكافحة الخلل ونقاط الضعف التي يتسلل منه الفساد المعطل لمشاريعنا الحيوية، غير أن الخشية، بالخصوص إذا أضفنا لهذه الدراسات ما أعدته جهات أخرى كديوان المراقبة العامة وهيئتي التحقيق والادعاء العام ومكافحة الفساد وباقي الوزارات المختصة كالعمل والتجارة والمالية، أن ننغمس في دراسات نظرية قد تتقاطع أهدافها أو تتعارض مراميها مع أن هدف الجميع واحد، لكنه العمل بدون تنسيق كأنهم في جزر منفصلة. برأيي المتواضع أن ما لدينا من نظم ومواد قانونية كافٍ إذا ما طبق وحسنت إدارته، لأساتذة البحث العلمي أن يجتهدوا ما أرادوا لإخراج تنظيم جيد يكافح الفساد بشكل شمولي ودقيق، غير أن هناك فسادا يحتاج شهودا وتدقيقا، وفسادا شهوده منه وفيه، هناك ثلاثي المخطط والمنفذ والمستلم وكراسة مواصفات منتصبة بينهم، والفساد لا يكاد يخرج عن هذه الدائرة، وإذا أردنا حصرها، فهي بين إداري يخطط لمشروع، وإداري يوقع بالاستلام، وبينهما مقاول ينفذ، تقصير أو فساد أحدهم يؤدي لفساد البقية وفساد المنتج النهائي، مع أخذ وجهة نظر المقاولين بالاعتبار تجاه ما يواجهون من عثرات خارجة عن إرادتهم، من يصدق ــ مثلا ــ أن معظم أمانات مدننا لا تملك خرائط بالحفريات والتمديدات تحت أرض مدنها، فيفاجأ المقاول بتمديدات ليست بالحسبان، وربما يعطل شارعا أو يقطع أنبوبا أو كيبلا لا يدري عنه، فتتعطل مصالح أخرى لأناس آخرين. كل التفصيلات التي تتحدث عنها هذه المبادرات جيدة، ويفترض وجودها في نظام مرن تديره عقول مرنة، وأغلبها مواد قانونية يفترض كذلك توافرها في أي عقد الذي هو شريعة المتعاقدين، العقد الناقص هو ما يمكن استغلال ثغراته، وهذا نقص إداري، كذلك استلام مشروع لا يستوفي الشروط خطأ إداري، وكلاهما لا يتطلب مواد كثيرة وإن كان مفيدا تقنينها. ما نحتاج حقا هو عقول مرنة تعرف غاية النظام وتلتزم بروحه، مع وجود مظلة المحاسبة فوق رؤوس الجميع، بدونهما سنظل ندور مع حلقات التطوير والإصلاح للأنظمة.
مشاركة :