شادية.. صاحبة الصوت الشجي الحالم التي اعتزلت (الفن) عام 1986 لم ينسها أحد من عشاق فنها المعطر بأرق المعاني وأصدق المواقف وأعذب الكلمات ومساحات البهجة الواسعة، وكلما اشتاقت الأجيال إلى العودة إلى كلاسيكيات الفن الجميل كانت حاضرة وبقوة. في الغناء من منا لا يردد (يا حبيبتي يا مصر) عند سماعها.. أو (عبرنا الهزيمة).. أو (يا أم الصابرين).. أو (الحب الحقيقي).. أو يبكي عند سماع رائعتها (آخر ليلة).. وغيرها من أجمل ما شدت به من كلمات. وفي مجال السينما أدت أروع الأدوار خصوصاً في روايات الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ: (نور) في اللص والكلاب و(حميدة) في زقاق المدق و(زهرة) في ميرمار و(فؤادة) في شيء من الخوف للأديب الراحل ثروت أباظة.. وغيرها من الأدوار والأعمال صاحبة الحضور المميز.. إنها إبداعات تعود بنا إلى الزمن الجميل الذي عاشت فيه مع رموز وعظماء الفن المصري والعربي عبر مشوارها الجميل. بعد ولادتها واستقرار أسرتها في حي شبرا بشارع طوسون بالقاهرة دخلت مدرسة شبرا الابتدائية للبنات.. وبدأت تظهر عليها علامات النبوغ في الغناء وكانت تغني أغنيات (ليلى مراد).. وأدرك والدها أن لابنته صوتاً جميلاً وعبقرياً.. فأتى لها بمدرس ليعلمها أصول الموسيقى والغناء والنطق الصحيح. وتمر الأيام وتحصل (شادية) على الشهادة الابتدائية ويهتم بها والدها كثيراً.. وكان مدرسها (محمد ناصر) الذي علمها أصول الموسيقى والغناء على علاقة بالمخرج الكبير الراحل (أحمد بدرخان) الذي كان يعمل في شركة (التاج) فعرضها عليه وغنت أمامه وأجرى لها اختباراً أمام الكاميرا ونجحت فيه بامتياز، فسارع بالاتفاق مع والدها ووقع معه عقداً بخصوصها ومرت الأيام إلى أن ظهرت في فيلمها الأول (أزهار وأشواك) للمخرج الراحلمحمد عبد الجواد عام 1947، ثم تلقفها المخرج العبقري الراحل حلمي رفلة.. وكانت آنذاك متلهفة للعمل فاختار لها اسم (شادية) بدلاً من (فاطمة) وقدمها مع الفنان الراحل (محمد فوزي) في فيلم (العقل في إجازة) عام 1947 وهو الفيلم الذي رسخ لها عدة أدوار فيما بعد.. مثل: (البنت الشقية والمرحة والدلوعة والمراهقة والحالمة) وهي الأدوار التي سلكتها في (الخمسينيات) وأدتها باقتدار وهي أعمال (ساعة لقلبك) و(معلهش يا زهر) و(ظلموني الناس) و(شباب امرأة) وغيرها من الأعمال.. واستمرت في تلك الفترة تغني الأغنية الخفيفة التي تناسب مرحلة المراهقة.. وكانت تلك الفترة غزيرة الانتشار سينمائياً فقد قدمت أكثر من 50 فيلماً فيها. محطات مهمة في تاريخها مع بداية فترة (الستينيات) كانت شادية قد نضجت تمثيلاً وغناء إلى أن اعتزلت.. وهي المرحلة الأكثر نضجاً وعمقاً في حياتها.. سينمائياً قدمت أروع الأدوار في (الزوجة رقم 13) و(مراتي مدير عام) للمخرج فطين عبدالوهاب.. و(اللص والكلاب) و(ميرمار) للمخرج كمال الشيخ.. و(زقاق المدق) و(المعجزة) للمخرج حسن الإمام.. و(شيء من الخوف) للمخرج حسين كمال.. و(معبودة الجماهير) للمخرج حلمي رفلة.. واستمرت في تقديم الروائع حتى عام 1984 عندما قدمت آخر أعمالها للسينما فيلم (لا تسألني من أنا) للمخرج أشرف فهمي. وفي مجال الغناء قدمت (آخر ليلة) لحن الموسيقار بليغ حمدي.. و(شفت القمر) لحن الموسيقار محمد الموجي، كلمات عبد الوهاب محمد.. و(همس الحب) لحن الموسيقار سيد مكاوي، كلمات عصمت الحبروك.. و(يا حبيبتي يا مصر) لحن بليغ حمدي، كلمات محمد حمزة. واستمرت تمتعنا إلى أن غنت آخر أغنياتها (خد بإيدي) عام 1986. وقدمت للإذاعة المصرية عدة مسلسلات أهمها (نحن لا نزرع الشوك) و(صابرين) و(سنة أولى حب) للمخرج محمد علوان.. و(كل هذا الحب) للمخرج حسين كمال.. وغيرها إلى أن أكملت عشرة أعمال للإذاعة المصرية منها عملان لإذاعة (مونت كارلو والكويت) هما (وسقطت في بحر العسل) للمخرج علي عيسى.. و(شيء من الحب) للمخرج وجدي الحكيم. وللمسرح قدمت عملاً واحداً هو (ريا وسكينة) للمخرج حسين كمال. مواقف ومعان في حياتها شاء الله أن تحرم شادية من الأمومة والطفولة، ولم تهدأ أو ترتاح حتى عاد (ابن) شقيقها (طاهر) ليتربى في حضنها في مصر وهو طفل صغير بعدما أخذته أمه إلى تركيا ليعيش معها بعد انفصالها عن زوجها. أقامت مسجداً ومركزاً صحياً بالمهندسين وجمعية خيرية لمساعدة الفقراء.. وجمع التبرعات لمساندة الشعب الفلسطيني.. ومساعدة الطلبة المغتربين بمدينة البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف. ولفضيلة المرحوم (الشيخ الشعراوي) الفضل في تفرغها للعبادة والأعمال الخيرية التي تقوم بها وأوصاها بعدم الظهور إعلامياً، وقال لها: (لا تعكري اللبن الصافي) فعملت بهذه النصيحة وتفرغت للعبادة. سيــرة عطــرة الاسم الأصلي: فاطمة كمال أحمد شاكر.. اسم الشهرة (شادية). تاريخ الميلاد: 8 فبراير 1931 بحي الحلمية الجديدة بالقاهرة من أم تركية وأب مصري يعمل مهندساً زراعياً، وهي الابنة الصغرى لخمسة أشقاء. (محمد وعفاف وسعاد وطاهر وفاطمة) التي أخذت اسم (شادية) فيما بعد عندما انطلقت إلى عالم الفن. وأول أفلامها (أزهار وأشواك) للمخرج الراحل محمد عبد الجواد عام 1947. وأولى أغانيها الدينية (قل أدعوا الله أن لا يمسك ضر) تأليف زكي باشا الطويل وتلحين ابنه كمال الطويل عام 1956. وقدمت للسينما (117) فيلماً سينمائياً وعشرة مسلسلات إذاعية ومسرحية واحدة هي (ريا وسكينة) مع عميد الكوميديا المصرية الراحل (عبد المنعم مدبولي) وأكثر من (500) أغنية وطنية ودينية وعاطفية مازالت تذاع وتطربنا حتى الآن.. وفيلمها (رغبات ممنوعة) للمخرج الراحل أشرف فهمي لم يعرض جماهيرياً حتى الآن بسبب العلاقة غير الطبيعية بين (البطلة وأبيها). وآخر أفلامها (لا تسألني من أنا) للمخرج أشرف فهمي عام 1984. وأكثر المخرجين تعاملاً معها الراحل (حلمي رفلة) قدما معا اثني عشر فيلماً. تزوجت ثلاث زيجات الأولى من الفنان (عماد حمدي) عام 1953 ولم يدم الزواج سوى ثلاثة أعوام وتم الطلاق عام 1955. والثانية: من المهندس (عزيز محمد فتحي) في سبتمبر 1957 وتم الطلاق بعد ثلاثة أعوام في 8 يونيو 1959. والثالثة والأخيرة: من الفنان (صلاح ذو الفقار) عام 1964 وتم الطلاق عام 1969 والعودة لبعضهما في نفس العام ثم الطلاق والانفصال نهائياً في العام ذاته 1969. ولم تنجب من جميع تلك الزيجات فحرمت من (الأمومة) رغم رومانسيتها الحالمة.. ثم اعتزلت (الفن) نهائياً عام 1986 عندما شدت برائعتها (خد بإيدي) كلمات الشاعرة علية الجعار، ولحن عبد المنعم البارودي، في حفل (الليلة المحمدية) فكان خير ختام لمشوارها الفني. قالوا عنها الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ: من منا لا يحب (شادية) بأدائها.. بصوتها المداعب للقلب قبل الأذن.. بأغانيها الوطنية التي تشدنا جميعاً.. ودورها في فيلم (المرأة المجهولة) يستحق جائزة عالمية.. وهي الدلوعة وفتاة الأحلام لكل شاب. العالم الراحل الدكتور مصطفى محمود: كلنا نحب (شادية) وأعمالها لأنها قدمت نوعاً لطيفاً وخفيفاً في مسائل الحب كان قريباً إلى القلب. وتجربتها الأخيرة هي تطور في حياتها نبعت من داخلها ولم تقلد فيها أحداً، فهو نداء إلهي. الفنان السوري الكبير دريد لحام: هي سيدة الأداء المقنع الجميل الذي يتسرب إلى نفوسنا ويبقى داخل الذاكرة، فأنا من عشاق هذه الفنانة التي لا تتكرر.. وأسعد كثيراً بتاريخها المشرف.. متعها الله بالصحة والعافية. الفنان عادل إمام: أهم الأدوار في بدايتي الفنية كانت معها في فيلم (مراتي مدير عام) و(كرامة زوجتي) و(أضواء المدينة)، هي فنانة ونجمة نادرة التكرار كل من اقترب منها تعلم واستفاد من تجربتها. الفنانة شويكار: (شادية) أسطورة السينما المصرية هي فنانة عظيمة وممثلة كبيرة وذات أخلاق عالية ولديها حضور قوي وتحب الناس بشكل غير عادي. المنتج الراحل سيد إسماعيل: (شادية) ذات صوت مريح ورقيق وناعم ونادر التكرار وقلما يوجد صوت مثله، هي بسيطة بساطة أهل الريف الذين نشأت بينهم وورثت عنهم الأخلاق الحميدة والطيبة. الشاعر مصطفى الضمراني: أعتبر عملي معها وساماً على صدري فهي فنانة أحبت وطنها وغنت أجمل ما غني له.
مشاركة :