برامج المقالب التلفزيونية: النجم في دائرة الخطر

  • 1/31/2014
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

يجلس النجم منتشياً بفعل ما يحيطه من بريق أضواء الكاميرا، يعدل من زوايا جلوسه، ينتقي الوضعية المثالية التي ستمكنه -في ظنه- من سرقة عدسة الكاميرا واستقطاب أضوائها، يعدل من هندامه، يسأل مساعديه عن مظهره، سؤال لا ينتظر جوابه، فهم دائماً يردون بابتسامة عريضة وعبارة صار مدمناً عليها (كله تمام يا نجم)، يريد أن يبدو في صورة مثالية تمكنه من ترسيخ سلطته الجماهيرية لدى معجبيه وكسب أرضية جديدة لدى الآخرين، يعرف أنه لن يكون وحيداً في ميدان هذه المعركة الشرسة التي يمثل المتلقي غنيمتها، فهناك العديد من المنافسين الذين لديهم ما يحفزهم لإثبات وجودهم، حتى إن وجود النجم بالنسبة لهم قد يكون مطيتهم المدجنة لمزيد من الشهرة والانتشار، يستعد بالوسائل كافة ومنها بعض السقطات اللسانية أو مواقف تضمن حضوره التداولي لفترات تجاوز فترة إذاعة البرنامج وتضمن في الآن نفسه استمرارية توافره في بؤرة الضوء أياً كانت طبيعته. تبدأ الحلقة بابتسامات متبادلة وكلمات تتأطر بالمجاملة، ثم سرعان ما تتبدل الأوضاع، تنهال الأسئلة المحرجة على النجم، ويتعرض لهجوم غير مألوف من الضيف الثاني أو تتغير معادلة البرنامج تماماً ويتعرض لموقف يبدو عفوياً ولكنه خطير، تركز الكاميرا جل اهتمامها على النجم، تحقق له غايته التي سيلفظها بعد لحظات، تلتقط الشاردة والواردة، تتخذ من وجهة خريطتها الخاصة التي ترسم تفاصيلها بكل دقة، يدخل النجم دائرة الخطر دون أن يدري، يحمر وجهه أو يصفر، يزداد معدل خفقات قلبه، يجد نفسه مدفوعاً نحو الانفعال عجزاً وقهراً، يجد الحل في الصياح أو العويل أو قذف الأشياء وتحطيمها أو الصمت الدال وفي كثير من الأحيان -وبخاصة إذا كان النجم أنثى- البكاء، هنا تنتشي الكاميرا وتتحسس طريقها بتلذذ نحو مآقي النجم، فلتهنأ فقد تحقق لها مرادها. ومع وصول انفعال النجم إلى ذروته يكون الوقت قد حان لفضح الحيلة وفك ألغازها والانتقال من دائرة الإشعار بالخطر إلى دائرة الاطمئنان الضروري، تتكشف بنعومة حدود اللعبة، لا يعي النجم حقيقة ما هو فيه، يحتاج لبعض الوقت لالتقاط الأنفاس وتجميع شتات الذات، ليس هناك مانع من التصوير، فلا تزال الكاميرا تعمل وتسجل، يتمنى المخرج أن ينفعل النجم بعد اكتشاف دوره في هذا العمل الذي لم يقرأه أو يتعاقد عليه، يسأل الله أن يقذف المذيع بشيء في يده، أو يتلفظ بلفظ يستبدل به موسيقى (التيت) الشهيرة مع التركيز على حركة الشفاة حتى يدرك المتلقي الملفوظ، يدخل البلاتوه في موجات من الضحك المصطنعة والتصفيق الحاد لإكمال اللعبة إلى نهايتها، لعبة البرامج التلفزيونية المؤسسة على خداع النجم وتوريطه فيما بات يعرف ببرامج المقالب التلفزيونية. إذا كانت هذه البرامج تعد من الوجبات الرئيسة التي ألفنا حضورها على مائدة رمضان التلفزيونية منذ سنوات طوال فإن متغيرين أساسيين قد طبعا حضورها هذا العام: الأول: الكثافة الكمية لهذه البرامج حتى إن كل قناة فضائية صار لها برنامجها الخاص الذي يحقق نسبة مشاهدة عالية للغاية بما رشح للتعامل معها بوصفها ظاهرة تستحق التأمل. الثاني: التبدل في نوعية أبطال هذه البرامج أو بالأحرى ضحاياها، فبعد أن كان المواطن العادي هو المستقطب لهذه اللعبة، انتقلنا إلى نجوم الفن، ثم تطور الأمر ليدخل معهم نجوم السياسة وكأننا إزاء استجابة إعلامية لانتقال السياسة في عالمنا العربي من طبقة النخبة المحدودة إلى الطبقات الشعبية بجموحها وعفويتها. تحطيم معابد النجومية ما سر الجاذبية في هذه النوعية من البرامج؟ يبدو السؤال على بساطته مفخخاً إلى حد بعيد، ولكن إذا تدرعنا بشجاعة البوح يمكننا القول إن الأمر يرتبط بشعور المتلقي بالطبيعة الفوقية للنجم، وهو ما يعني حضوره في مخيلة المتلقي في صورة ذهنية مفارقة لصورته الواقعية، فهذا هو الشاب الوسيم حلم كل الشابات، وهذه هي النجمة اللامعة التي يكفي التصوير معها للمفاخرة أمام المعارف، وهذا السياسي الخبير الذي يعرف كل شيء عن أي شيء، وذلك الاقتصادي الألمعي القادر على حل مشاكلنا الاقتصادية المستعصية ببساطة، صورة غذتها ممارسات شخصية النجم وصنعت لها شرعيتها التداولية، ومن ثم أصبح لدى المتلقي شعور بأنه في مواجهة شخصية غير اعتيادية، أو بالأحرى شخصية فوقية، هذا التفوق الخاص بالشخصية يستقطب رغبة دفينة للمتلقي في الشعور بهزيمة هذه الشخصية، لا بغية الانتقام منها وإنما بهدف الشعور بالتوازن النفسي المترتب على جذبها من برجها العاجي إلى أرض الواقع باعتبارها شخصية عادية تخدع، شخصية تخرج من حصنها الأسطوري وتجاوز عتبات معابدها الحصينة لتعيش معنا في الواقع، مما يطرح مفهوم (التفكه السادي) المرتبط بتوافر ضحية لفعل الخداع، فالتفكه السادي هو المرتبط بالحصول على المتعة النفسية من خلال معاناة الآخرين، ومن ثم فكل هزيمة للآخر تدخل ضمن حدود هذا المفهوم الذي يمكن للمتلقي أن يطبع به جميع الحوادث المتعاقبة المنطوية على توافر ضحية داخل الحلقة، وبالطبع فإن الطرفة الاحتيالية (الخداعية) تسهم في استدعاء هذا النمط التفكهي إلى الحلقة من خلال دورها في تصدير الإحساس الاستعلائي للمتلقي الذي ينوب عنه (أطراف اللعبة الخداعية من معد ومخرج وممثلين وتصوير... إلخ) باعتباره الشخصية الأقوى، فأصحاب هذه البرامج -الخبراء بالطبائع البشرية- يدركون طبيعة الذات البشرية، ومن ثم يبدؤون في مغازلة أوجه ضعفها ومنها الرغبة في الشعور بالاستعلاء في مواجهة الآخرين وبخاصة إذا كانوا نجوماً، هذا الاستعلاء الذي يعد الضحك أبرز معالمه فضلاً عن حالة المتعة الناتجة عن حل أحد الألغاز أو فهم ما يكتنفها من غموض ترجع إلى ما يمنحه ذلك للمستمع من إحساس بالقوة والغلبة، وبهذا يتحول التفكه السادي من كونه ممارسة فاعلها أصحاب هذه البرامج إلى كونه ممارسة فاعلها الحقيقي المتلقون الذين يتغلبون على ضعفهم بتجسيد ضعف الآخرين حتى يكون لديهم الإحساس بالتكافؤ والتطهير، وبالتالي يستطيعون أن يمارسوا وجودهم الإنساني والاجتماعي دون أن يواجههم أحد بالسخرية أو الانتقاد. انفعالات النجم وثمن الحضور لماذا يوافق النجم على إذاعة الحلقة؟ لا شك أن هذا السؤال يتبادر إلى ذهن كل المتابعين لحلقات هذه النوعية من البرامج، ما الذي يدفع النجم إلى الموافقة على بث هذه الحلقات وما تتضمنه من انفعالات يكون أغلبها في غير صالحه نتيجة نيلها من صورته الذهنية القابعة في مخيلة المتلقين والتي هي ركمات لأعمال ومواقف متعددة، إنه سؤال عن الحافزية، ما الذي يحفز نجماً مفتول العضلات -على سبيل المثال- على الموافقة على إذاعة حلقة بدا فيها ضعيفاً للغاية، ووصل به الأمر إلى حد البكاء المرفود بالإغماء والسقوط على الأرض مما ساهم بلا شك -مع تقديرنا الكامل لإنسانيته- في خدش صورته التقليدية لدى متلقيه. يبدو أن الأجر المالي المرتفع في الأغلب مبرر منطقي لقبول الإذاعة، فالرفض يعني فقد فرصة الحصول على المقابل المادي خصوصاً وأن المهمة أنجزت فعلياً، وفي ضوء إمكانية التفاوض على مضاعفة الأجر في مقابل التهديد بمقاضاة البرنامج والقائمين عليه ونتذكر الفنانة التي رهنت موافقتها على إذاعة الحلقة التي تعرضت فيها لموقف بالغ الصعوبة بمضاعفة أجرها واستجاب لها الجميع، على الرغم من جدية هذا المبرر فإن مبرراً آخر يفرض حضوره هنا يتمثل في رغبة النجم المستعرة في الحضور الدائم أمام متلقيه بعيداً عن قيود الحدين الزماني والمكاني لأعماله، وهو ما تتيحه هذه البرامج فالحلقة التي تنتهي الآن تظل متداولة لمدة أسبوع أو يزيد تبعاً لردود أفعال النجم الذي يستغل دور الضحية الذي ألفى نفسه فيه لاستقطاب تعاطف المتلقي واستدرار انفعاله معه ومن ثم ضمان حضوره المتغيا لأكبر فترة ممكنة في عقل متلقيه وقلبه. إذا كان المبرران السابقان يتعالقان بأهداف النجم فإن مبرراً ثالثاً ينبع من لدن القائمين على المقلب لضمان موافقة النجم على الإذاعة، ويرتبط هذا المبرر بآلية التعامل مع النجم في أوج انفعاله وما يطرحه هذا الانفعال من توقع بالرفض، إنه المعادل الدرامي للحظة التنوير التي تتكشف حدود الخدعة فيها أمام النجم، وأن الموقف بطبيعته مصطنع وأنه قد نجا مما ظنه حقيقة، إنها لحظة اقتناص ضعف النجم المعجونة بسعادة النجاة من حمأة الموقف الذي بدا حقيقياً، ومع حسابات الخسائر القريبة تكون الموافقة إحدى تبعات حالة الغيبوبة الانفعالية التي يتعرض لها النجم بفعل ضحكات المحيطين وتصفيقهم.

مشاركة :