ستوكهولم: مدينة الأعمال التي قد لا تجد فيها سكناً لسنوات

  • 8/8/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

Image copyright Thinkstock هل تعتقد أن الأمور ليست جيدة في المدينة التي تعيش فيها؟ يمكنك التفكير إذاً في أزمة مدينة ستوكهولم، حيث أصبحت قائمة الانتظار لاستئجار سكن هناك طويلة جدا لدرجة جذبت اهتمام القائمين على موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية. زاد عدد من يبحثون على سكن للإيجار في المدينة بشكل كبير، حتى أصبحت قائمة الانتظار طويلة جدا، إلى درجة دفعت "موسوعة غينيس" للأرقام القياسية إلى وضعها في الاعتبار كصاحبة أطول مدة زمنية يمكن أن ينتظرها الناس لاستئجار شقة. فالزمن المستغرق، في المتوسط، للحصول على سكن بنظام الاستئجار هو تسع سنوات، وقد يقفز هذا المعدل إلى عقدين في بعض الأحياء المفضلة. كما يصعب أيضاً، وبشكل لا يصدق، أن تعثر على غرفة نوم داخل شقة للسكن المشترك. فنسبة العقارات المصممة لأشخاص يعيشون بمفردهم في السويد هي تقريباً أعلى من أي بلد آخر من بلدان الاتحاد الأوروبي. تقول ماييفا شالر وهي مهندسة عمرها 27 عاماً انتقلت إلى ستوكهولم من غرونوبل بفرنسا في عام 2010 "إنها سوق محبطة للآمال، وتسيء لما مررت به خلال عيشي في مدينة أعشقها". وتعد ستوكهولم العاصمة الأوروبية الأسرع نمواً، وذلك بفضل زيادة قياسية في عدد المهاجرين إليها، وعدد مزدهر من الشركات الناشئة، بالإضافة إلى أعلى نسبة للمواليد في القارة. وقد عملت هذه العوامل مجتمعة على زيادة عدد سكان المنطقة الأوسع للعاصمة بما يقرب من ربع مليون شخص خلال فترة سبع سنوات فقط. لكن في ظل قواعد وأنظمة صارمة للبناء، ونقص في الاستثمارات عبر عقود من الزمن، أخفقت حكومات متعاقبة في بناء ما يكفي من المساكن للمقيمين فيها على المدى الطويل، ناهيك عن القادمين الجدد. Image copyright Thinkstock وقد كتبت شركة "سبوتيفاي" لخدمات تجارة الأغاني في المدينة المحبة للتقنيات، والتي لا تزال تتخذ ستوكهولم مقرا رئيسيا لها، رسالة مفتوحة تحذر فيها من أنها قد تنقل نطاق عملها ليكون في مكان آخر ما لم تتخذ الحكومة إجراءات سريعة لحل أزمة السكن. وأعقب هذا مظاهرة أخرى نظمها عاملون في شركات ناشئة خارج مبنى البرلمان الوطني، مطالبين السياسيين بالتركيز على تأثير أماكن السكن الضيقة وصغر أماكن العيش على الحفاظ على المواهب العالمية في المدينة. وخلال السنوات الست الماضية، عاشت المهندسة شالر في نحو تسعة مساكن تقع في سبعة أحياء مختلفة، وكانت على الأغلب تؤجر سكنها من مستأجرين سويديين ذوي عقود إيجار طويلة الأمد. ومثل العديد من الأجانب، تتردد شالر في شراء عقار بعد أن ارتفعت أسعار العقارات بنسبة 14 في المئة في المدينة خلال العام المنصرم فقط. وهي تريد مكاناً ملائما لتستقر فيه وهي تتقدم في حياتها المهنية. كما يندر للمغتربين في ستوكهولم أن يتوقعوا العيش في منازل يملكها أرباب عملهم. فقد وُضعت عوائق أمام أصحاب العمل، عن طريق أنظمة وقواعد صارمة للجمعيات السكنية، وهو ما يمنع الأفراد أو الشركات من شراء شقق بالجملة في نفس العقار. وللالتفاف حول هذه المشكلة، يختار البعض شراء قطعة أرض خاصة بهم. تقول شالر "يقدم كثير من الناس إلى هذه المدينة ليعملوا في شركات كبرى، وليستمتعوا بالعيش فيها. لكن ما معنى أن يكون الاحساس بالأمان هنا، لعام أو عامين، صعباً إلى هذه الدرجة؟". نظرياً، صُممت السوق السويدية لتأجير العقارات لتضمن لكل شخص غير قادر على شراء عقاره أن يسكن في منزل معقول، بإيجار لا يتجاوز حداً معيناً، يوفره مجلس البلدية المحلي أو شركة خاصة بموافقة حكومية. وحينما تحصل على أي من هذه العقود، التي توصف بأنها عقود "أولية"، سيكون المنزل ـ في العادة ـ لك مدى الحياة. ويلقى القادمون الجدد، من كل الأجناس، نفس الترحيب للانضمام إلى قائمة الانتظار بغرض الحصول على هذا النوع من السكن. غير أنهم سيجدون في ستوكهولم نصف مليون من السكان المحليين أمامهم في قائمة الانتظار، وهو رقم تضاعف بين عام 2007 وعام 2014. Image copyright Thinkstock "أعلم أنني أحد المحظوظين"، قالها خوسيه لاغوس، الذي يعمل كمعلم احتياطي ومن سكان ستوكهولم طوال حياته. وكان قد حصل في عام 2003 على عقد إيجار شقة بغرفة نوم واحدة في حي بمركز المدينة. وأضاف لاغوس البالغ من العمر 34 عاماً "إنها مناسِبة، فهي تقع بالقرب من ’البلدة القديمة‘، وقريباً من مناطق خضراء، وكثير من الحانات. لكنها شقة صغيرة، غرفة نوم واحدة فقط مع مطبخ صغير. أود في يوم من الأيام أن أحصل على مكان أوسع مع شرفة". وللمستأجرين المحتملين بغير عقود إيجار أولية خياران؛ إما التأجير من مستأجر بعقد إيجار طويل الأجل، أو التأجير من مالك عقار خاص. لكن غالباً ما تكون هذه العقود لسنة أو أقل، فعادة ما تكون هناك حدود في أن يقوم مستأجر بعقد أولي بعرض مسكنه للإيجار لأشخاص آخرين لفترة وجيزة، بالاتفاق مع الجمعية السكنية للمبنى، وفقط لوجود سبب وجيه، مثل السفر للخارح لفترة وجيزة، أو الانتقال المؤقت للعيش من شريك الحياة. وتوضح شالر قائلة "إنها ليست كباقي المدن الأخرى، حيث لا يعيش مالكو الشقق فيها أبداً. في ستوكهولم، غالباً ما تمكث في شقة شخص آخر فقط خلال الفترة التي يقضيها بعيداً". استناداً إلى وكالة "إحصاء السويد" الحكومية، فإن معدل تكاليف تأجير شقة بعقد أولي في ستوكهولم يصل إلى نحو 6518 كرونة سويدية (783 دولار أمريكي) شهرياً، بمساحة 66 متراً مربعاً، كمتوسط لمساحة السكن. في المقابل، يمكن توقيع عقود إيجار ثانوية بضعف ذلك المبلغ في السوق السوداء، بالرغم من القواعد والأنظمة المصممة لضمان عدم دفع المستأجرين مبالغ تزيد كثيراً عن المعدل السائد في السوق. كما ارتفعت الإيجارات أيضاً منذ تغيير القانون في عام 2013، حيث أتيح للمالكين الأفراد أن يطلبوا إيجارات تعتمد على مبالغ الرهن العقاري، وليس مقارنة بالايجارات السائدة في المدينة. كانت شالر قد دفعت مبالغ نموذجية هي 8500 كرونة (1032 دولار أمريكي) لتأجير شقة صغيرة (استوديو)، أو 6000 كرونة (728 دولار أمريكي) لغرفة واحدة في شقة مشتركة، وهي تعرف "العديدين ممن يدفعون أكثر من ذلك بكثير". Image copyright Thinkstock في نفس الوقت، يجد كثير من أرباب العمل في مجالات صناعية عديدة مشقة أيضاً. واستناداً إلى "اتحاد المؤسسات السويدية"، واجه نحو 61 في المئة من الشركات السويدية مشاكل عند توظيف العاملين خلال العام الفائت، حيث أشارت الشركات إلى نقص في السكن في 31 في المئة من الحالات. وغالباً ما تلجأ شركات ذات أسماء عالمية، مثل "إتش أند إم" وإريكسون، وسبوتيفاي، وشركات ناشئة كبرى مثل شركة كلارنا لخدمات الدفع عبر الإنترنت، إلى التعامل مع وكالات إسكان خاصة لمساعدة موظفيها الجدد في ضمان الحصول على عقد تأجير لفترة قصيرة حتى يستقروا في مكان ما. أما الشركات الأصغر، فيفتقر العديد منها إلى الوقت أو الموارد اللازمة للقيام بذلك. "التنويع أمر مهم جداً بالنسبة لنا، ونحن نحاول إيجاد أناس من أقطار متنوعة ليدعموا شركتنا"، ذلك ما قالته إليز ليليهو، رئيسة قسم التوظيف والتسويق لدى شركة "ون إيجنسي" لتقنية المعلومات في ستوكهولم. وأضافت ليليهو "لكي تستطيع الإبقاء على الابتكار وريادة الأعمال في السويد، أعتقد أنه من المهم حقاً أن يكون لدينا نظام (إسكان) يدعم ذلك. إن تسهيل الحصول على عقود تأجير أولية يمكنه أن يكون أحد الحلول، ولكن الأمر يعود بدون شك إلى المدينة التي عليها أن تدرس هذا الأمر". ويجادل آخرون قائلين إن إزالة القواعد والأنظمة الصارمة قد يوفر الحل، عن طريق جعل عقود الإيجار الأولية في المناطق الأكثر حصرية من العاصمة متماشية مع مناطق مماثلة لها في مراكز المدن الكبرى الأخرى. وهذا بدوره يمكنه أن يخفض الأسعار في أماكن أخرى من المدينة. وقال تايلر كرولي وهو رائد الأعمال الأمريكي الذي نظم مؤخراً احتجاجاً للعاملين في الشركات الناشئة ضد أزمة السكن "لدي أصدقاء كثيرون في ستوكهولم ممن يعيشون في بعضٍ من أروع مناطق المدينة وهم يدفعون حوالي 900 دولار أمريكي شهرياً. في أماكن مماثلة في لندن أو كاليفورنيا، لكان السعر ضعفاً أو ثلاثة أضعاف ذلك". وأضاف قائلاً "لكنه يصعب فرض هذا النوع من العقلية الرأسمالية الأمريكية على النظام السويدي"، في إشارة إلى الإرث الطويل من الديمقراطية الاجتماعية والمقاسمة الجماعية للمخاطر في هذا البلد الشمالي. Image copyright Ivan Da Silva. Getty Images إن جزءاً من خيبة أمل قادة المال والأعمال يأتى من فقدان الإجماع السياسي الوطني على كيفية معالجة تكدس المساكن الذي تعاني منه السويد. أما على المستوى المحلي، فإن ستوكهولم تستثمر بقوة في برامج البناء والدعم الإداري للقادمين الجدد على حد سواء، وذلك وسط مخاوف بأن تؤثر الأزمة على التجارة والأعمال. "نريد تحسين حالة الإسكان بحيث نكون قادرين على تحمل النمو السكاني الذي نشهده، وهذا كل ما في الأمر"، هذا ما قاله جوزيف مايكل الذي يعمل لدى "منطقة ستوكهولم للتجارة والأعمال"، وهي ذراع تطوير التجارة والأعمال التابع لمجلس بلدية المدينة والممول من قبل القطاع العام. ويُصر جوزيف على أن الأزمة مؤقتة، مشيراً إلى خطط تدعمها البلدية لبناء 40 ألف مسكن جديد بحلول عام 2020، وأن الرقم سيرتفع إلى 140 ألفاً بحلول عام 2030. أضف إلى ذلك، عدد من المشاريع المبتكرة الخاصة والحكومية، مثل الوحدات السكنية المتحركة، وأماكن العيش المشترك على نطاق واسع لريادي الأعمال العالميين، وهي الأولى من نوعها في السويد. وبينما تتواصل المشاحنات السياسية بين أصحاب المصالح، يقول آخرون من أفراد مجتمع التجارة والأعمال إنه مهما آلت إليه سوق المساكن فإنه لا يجب على ستوكهولم أن تغفل عن ما جعلها فعلاً جذابة للمواهب العالمية. وقالت جين روفينو البالغة 40 عاماً والتي تعمل في مجال تصميم محتويات مواقع الإنترنت وانتقلت للعيش في السويد من دبلن قبل ثلاثة أعوام "كل شيء يخص ستوكهولم يتعلق بالتوازن ما بين العمل والحياة، والمتنزهات والمياه والأجواء المفتوحة. كل هذه الأمور ترتبط ببعضها البعض". وأضافت روفينو "بالنسبة لي شخصياً، أترقب لأرى كيف ستتطور المدينة بما يمكنها أن تلائم كل شخص. أريد العيش في مكان فيه تنوع، وليس مكاناً يحصل فيه أصحاب الشركات الناشئة على معاملة خاصة لمجرد اعتقادهم أنهم بارعون". يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital.

مشاركة :