فور انتهاء ساعات عمله اليومية موظفاً للمبيعات في إحدى شركات الأدوية المصرية، يستخدم خالد وحيد سيارته الشخصية في توصيل الركاب بالأجرة، في محاولة لتلبية حاجات أسرته والتزاماته الدورية التي لم يعد راتبه يكفيها بعد الارتفاعات المتوالية في الأسعار أخيراً على خلفية الأزمة الاقتصادية. ويقول وحيد لـ «الحياة»: «الأسعار نار... لم يعد أمامي خيار سوى البحث عن وسيلة لزيادة دخلي. أعمل في أوقات المساء سائقاً على سيارتي كي أدبر أقساط السيارة التي اشتريتها قبل عامين ولم أعد أقوى على تدبير أقساطها مع الوضع المعيشي الصعب». وأضاف: «كنت أمام خيارين، إما بيع السيارة والاعتماد على وسائل المواصلات الحكومية الرديئة، أو العمل عليها لتدبير أقساطها الشهرية... في النهاية وصلت إلى الاختيار الأخير نظراً إلى اعتمادي على السيارة في الذهاب إلى العمل في ظل سوء حال المواصلات العامة، وتوصيل أبنائي إلى مدارسهم. لو بعت سيارتي الخاصة سأكون مضطراً إلى دفع مصاريف اشتراك حافلة المدرسة لأبنائي. اخترت أقل الضررين». وتصدر الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه مصر المشهد السياسي والاجتماعي أخيراً. وأعادت الأزمة الفرز الطبقي، فبينما بدأت ثمار السياسات الاجتماعية التي يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسي تتساقط على بعض الفقراء، وإن كانوا لا يزالون غير راضين عن أحوالهم، ازداد التململ من ضغوط المعيشة في أوساط الطبقة الوسطى. وكان السيسي نجح منذ توليه سدة الحكم في منتصف العام 2014 في إصلاح منظومة دعم السلع الغذائية المعروفة باسم «التموين» والتي يستفيد منها وفقاً للبيانات الحكومة نحو 6 ملايين أسرة باتت تصرف حصصها التموينية باستخدام بطاقات ذكية. كما تمكن من إصلاح منظومة دعم الخبز الذي لطالما أسقط قتلى في طوابير الحصول عليه. واستحدث نظام استبدال الخبز بنقاط التموين. وأسهمت تلك الإصلاحات في تغيير أحوال بعض الفقراء الذين يعتمدون على الدعم في تدبير قوت يومهم. وتشير «أم عادل» مثلما يناديها أهالي حي طرة (جنوب القاهرة) إلى أنها باتت تحصل على سلع متنوعة عبر تلك المنظومة، بعدما كانت تفرض عليها كميات من الزيت والسكر قد لا تكون في حاجة إليها. كما أن نظام نقاط الخبز وفر لها سلعاً إضافية ناهيك عن «التحسن الكبير» في جودة الخبز. وترى الستينية أن السيسي «نجح في تغيير وضعنا، وأصبحنا نحصل على وجبات متكاملة مدعومة من الدولة». كما أشارت باستحسان إلى مشروع السيارات المتنقلة الذي ينفذه الجيش لبيع السلع الغذائية بأسعار مخفضة. وقالت لـ «الحياة»: «أصبحنا قادرين على تدبير قوتنا من دون مشقة الطوابير». أما عبدالقادر شفيق الوافد الجديد على حي الأسمرات الذي افتتحه السيسي قبل أيام وبدأت الحكومة في نقل بعض سكان العشوائيات في حي الدويقة (جنوب القاهرة) إليه، فيؤكد لـ «الحياة» أن وضعه المعيشي «تغير 180 درجة» من السكن تحت تهديد سقوط صخور هضبة المقطم وغياب الخدمات الرئيسة عن الدويقة إلى السكن في بناية جيدة المستوى وشوارع مرصوفة وواسعة تحيطها الأشجار والمرافق. وكان السيسي تعهد الانتهاء من تطوير ونقل سكان المناطق الخطرة في مصر خلال عامين، لكنه انتقد في كلمة له أول من أمس «التشكيك في الإنجازات بهدف تحطيم إرادة المصريين». غير أن الطبقة الوسطى التي شكلت ظهيراً للسيسي منذ صعوده تزداد شكواها من الإجراءات الاقتصادية المرتقبة التي وعدت الحكومة بتنفيذها للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 بليون دولار على ثلاث سنوات. فمن بين تلك الإجراءات يناقش البرلمان قانون ضرائب القيمة المضافة الذي سيرفع أسعار عدد من السلع والخدمات، بينها التعليم والرعاية الصحية الخاصة اللذان يعتمد عليهما أبناء الطبقة الوسطى، إضافة إلى خطط خفض دعم الوقود. وأدى تدهور قيمة الجنيه المصري إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع والخدمات زاد الضغوط على الطبقة الوسطى، وغيرها. وكان المصرف المركزي أعلن ارتفاع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 12.37 في المئة في حزيران (يونيو) الماضي. واضطر المحاسب في أحد المصارف الأجنبية العاملة في مصر أحمد نبيل إلى بيع أرض ورثها عن والده لتدبير مصاريف مدارس ابنيه التي باتت في ارتفاع متواصل. ويرى أن مستوى معيشته «في تراجع مستمر خلال السنوات الخمس الماضية. لم تعد لدينا القدرة على الادخار مثلما كان يحدث في الماضي، ارتفاع الأسعار يلتهم كل الدخل». وقال: «باستثناء وقود السيارة، لا نحصل على السلع المدعمة التي تصرفها الحكومة، سواء على بطاقات التموين ورغيف الخبز أو حتى التعليم والصحة والعلاج. أسعار كل السلع والخدمات في ظل السوق الحرة في ارتفاع متوالٍ، بل إننا ننتظر ما هو أسوأ في أعقاب تطبيق قانون ضرائب القيمة المضافة وتخفيض دعم الطاقة والوقود». وانعكست هذه الظروف الاقتصادية على حركة البيع والشراء، فتاجر اللحوم في حي مصر الجديدة (شرق القاهرة) مجدي عمار يؤكد أن «أسعار اللحوم في ارتفاع شبه يومي. كثيرون من زبائني لا يتعاملون مع المنافذ الحكومية التي تبيع اللحوم المستوردة رخيصة الثمن، لكنهم اضطروا إلى تخفيض كميات شراء اللحوم المعتادة شهرياً إلى النصف تقريباً». وبالتبعية، خفض متجره كميات شراء اللحوم من المزارع. وبالمثل يؤكد مسؤول المبيعات في أحد المتاجر الشهيرة في القاهرة رامي جميل «انخفاض مستوى البيع خلال الشهور الماضية في ظل ارتفاعات الأسعار رغم العروض التي نقدمها». وقال: «حتى في شهر رمضان الذي تزدهر فيه حركة الشراء، انخفضت في شكل كبير عن الأعوام الماضية نسب البيع» في المتجر الذي يمتلك فروعاً عدة. وأوضح: «رغم أن المتجر يشتري بالجملة من المصانع، إلا أن الأسعار ترتفع بسبب الدولار الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع المستوردة أو المواد الخام وقطع الغيار المستخدمة في الإنتاج في الداخل. نشتري بأسعار مرتفعة، وليس أمامنا سوى زيادة الأسعار لتحقيق هامش ربح ندفع به رواتب الموظفين».
مشاركة :